للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتمثّل أخيرًا في دور "التنقية" وهي آلية حرص من خلالها الوضعيون على استبعاد كل ما هو غيبي تحت شعار تنقية العلم، فقد كانت التنقية واحدة من وسائل الانحراف بالعلم، كما كانت آلية "الربط والتعميم" وسيلة الماديين في الانحراف بالعلم، وهما تياران متقاربان فعملية التنقية تخدم أصحاب التعميم؛ لأنها تبعد كل ما هو ديني أو مثالي من العلم ليبقي ماديًا صرفًا عندها يأتي دور الماديين لاستثماره عن طريق التعميم.

[الخامس: دور اليهود]

تتحدث أغلب الدراسات الحديثة عن دور الكنيسة في إفساد العلاقة بين الدين والعلم مع العلم بأن النصرانية لم تكن الدين الوحيد في أوروبا آنذاك وقت المستجدات العلمية في أوروبا، بل كان هناك أيضًا اليهودية واليهود، وتساؤل هذا الفقرة: يا ترى ما الدور الذي قام به اليهود في مسيرة العلم الحديث؟

وبما أن مهمة هذا الفصل هي البحث في أسباب انحراف مسيرة العلم دون البحث في أسباب تقدمه، فإن هذه المهمة تحصرني في حقيقة الجانب السلبي من أتباع هذه الديانة، ومقارنة ذلك الأثر بما قامت به الكنيسة. وحتى نحقق ذلك فنحن في حاجة لبحث طبيعة الوجود اليهودي في أوروبا النصرانية.

عندما اعتنقت أوروبا الدين النصراني المحرف دخلها اليهود في ظل التشريد الذي ظلّ يلاحقهم سنين كثيرة، وكانوا ينقسمون إلى قسمين (١): "الإشكناز" في شمال وشرق أوروبا وكان من معاقلهم ألمانيا وما حولها، والقسم الآخر "السفارديم" في حوض البحر الأبيض المتوسط، وكان أهم مركز لهم بلاد الأندلس، أما وسط وغرب أوروبا فكان وجودهم فيها محدودًا، وفي بعض المراحل يحدث لهم إجلاء لدرجة أن كلًا من بريطانيا وفرنسا كانتا خاليتين منهم نهايات الرابع عشر الميلادي "٨ هـ" (٢)، ولكن بعد سقوط بلاد الأندلس المسلمة


(١) انظر حول القسمين، الفكر الديني اليهودي. أطواره ومذاهبه، د. حسن ظاظا ص ٢٠٢ - ٢٠٤.
(٢) كان ذلك بعد الجلاء الكبير الذي قام به ملوك أوروبا بدايةً بملك فرنسا ثم تبعه ملك إنكلترا وقلدهم في ذلك بقية ملوك أوروبا، انظر: اليهود وراء كل جريمة، وليم كار ص ٦٤ - ٦٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>