للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ونابذ للدين كما ذكر ذلك عن نفسه في سيرته "أوراق العمر"، وبهذا يُفهم مراده من "المقدسات المزيفة" و"الغيبيات" كما سيأتي من أمثلة فيما بعد، وهو يذكر الأداة التي يستخدمها في ذلك وهي اشتراكية القرن العشرين (١)، وهي اشتراكية إلحادية لا تؤمن برب ولا بغيب ولا بدين، وكل هذا البلاء يتم مع شباب متحمس يدخل الجامعة ليوسع معارفه ويحصل على ما ينفعه فإذا به يتشرب بمثل هذه الأمراض.

[المثال الثاني: هشام شرابي]

في سياق دراسة قدمها هشام شرابي عن علاقة المثقفين العرب بالغرب امتدح النصارى منهم وبخاصة في باب ترك الماورائيات والاكتفاء بالمحسوس، فيقول: "كان الهم الأساسي لصروف والشميل وأنطون، ومعهم عدد قليل من المثقفين المسيحيين الذين اقتفوا خطاهم، هو نقل انتباه الإنسان بعيدًا عن الدين والماورائيات وتركيزه في قضايا العالم الحقيقي. إنهم كانوا مقتنعين بأن الظلامية التقليدية والتعمية يجب أن تلغيا ليحل محلها التنوير الفكري. وهذا الإدراك جعل أقوالهم أجرأ وأوضح. ومع أن لا أحد أعلن الإلحاد صراحة، فإنهم كشفوا في كتاباتهم عن فقر شديد في المعتقد الديني" (٢)، ومن صور تكذيبهم بالغيب قناعتهم بوجود تمييز بين ثقافة شعبية جماهيرية وأخرى نخبوية للخاصة، فهي ذهنيتان، وقد امتدح هاشم تمييز أحدهم بين هاتين الذهنيتين، ومن ذلك تكذيب هذا الممدوح باليوم الآخر، وبهذا يرفض العزاء الذي يقدمه الدين لكثير من الناس بوجود عالم آخر يجد المحسن فيه الأجر والمسيء العقوبة (٣).

ولم يقدم المؤلف في كتابه أدلتهم على هذا الإنكار، وإنما غرضه استعراض شجاعتهم كما يزعم وتفوقهم على المسلمين في تقبل الأفكار الشاذة، ومعلوم أن مسألة إنكار الغيب وأصوله قديمة ومتجددة، وسيأتي مناقشة تفاصيل ذلك، وإنما الغرض هنا بيان طريقة احتفاء بعض المثقفين العرب بدور النصارى الذين تبنوا نشر المعارف الجديدة وأدخلوا من خلالها التكذيب بالغيب.


(١) انظر: لويس عوض -الأسطورة والحقيقة، د. حلمي القاعود ص ٦٩.
(٢) المثقفون العرب والغرب .. ، هشام شرابي ص ١٥٦.
(٣) انظر: المرجع السابق ص ١٥٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>