ومن المهم للمسلمين الاعتبار بما يجري في تلك الأمة من حولهم؛ لأننا نشاهد من يتبنى بعض مواقف تلك الأمة حرصًا منه بحسب زعمه على التوافق مع العصر وقبول النظريات العلمية، ولكن مواقفهم كان سببها الأساسي عدم صحة ما بين أيديهم في الأساس أو عدم الفهم السليم للصحيح منه، وهما أمران تمّ تجاوزهما لعدم قدرة الكنيسة على إيجاد سند تاريخي يوثق دينهم، وعدم وجود منهج سليم يحتكمون فيه إلى فهم ما صح منه. وانسياق بعض المسلمين في تقليد أحد مواقفهم لا يستقيم لاختلاف الحالين؛ لهذا السبب نطيل الكلام في مثل هذه الفقرات لكي تنتبه أمتنا فلا تقع فيما وقع فيه غيرها.
[حالة المعاناة من الكنيسة وظهور العلمانية]
يلخص لنا أحد علماء أوروبا المعاصرين قصة هذا الدور -بول جورمان- فيتساءل:"هل تؤدي الاكتشافات العلمية التي حققها الإنسان في مختلف المجالات الفيزيائية والفلكية والرياضية والبيولوجية والتكنولوجية إلى فقدان الإيمان أو التشكيك بوجود الله؟ هذا ما اعتقده بعضهم في الغرب طيلة القرنين الماضيين، بل وهذا ما لا يزال يعتقده الكثير من معاصرينا اليوم، وكل ذلك يعود إلى سوء التفاهم الذي حصل بين الكنيسة المسيحية وبين الاكتشافات العلمية بدءًا من غاليليو وانتهاء بداروين. ."(١). ثم يؤكد دور الكنيسة فيقول: "لا ريب في أن العلماء المسيحيين المعاصرين يشعرون بالخجل تجاه ما فعلته الكنيسة سابقًا ضد العلماء واكتشافاتهم، فقد لاحقتهم طيلة العصور الوسطى وحتى أواسط العصور الحديثة، وحاكمتهم وأعدمتهم أحيانًا؛ لأنهم تجرؤوا على اكتشاف قوانين الطبيعة والكون، واعتبرت أن ذلك يمثل تحديًا للقدرة الإلهية أو تطاولًا عليها. نقول ذلك ولاسيّما أن الاكتشافات العلمية كانت تناقض ما جاء في كتب اليهود والمسيحيين عن تركيبة الكون والمادة. ولهذا السبب حارب البابا العلماء واشتبه بهم واعتبر أنهم يشكلون خطرًا على الإيمان. ولم تنته المعركة بين الطرفين إلا بعد تأويل الكتب الدينية مجازيًا لكي تستطيع التأقلم مع مكتشفات
(١) العلم والإيمان في الغرب الحديث، هاشم صالح ص ٤٣ - ٤٤، وهو مختص بالرياضيات والميكانيك النظري، كما أنه عضو في الأكاديمية البابوية للعلوم، والتغميق من قبل الباحث.