المشكلة في إطارها الغربي -وقت الاتصال بهم- وصلت إلى مرحلة حسم التقابل لصالح أحدهما وهو العلم ومذاهبه وتياراته.
نجد في هذين النموذجين "مسائل من نظرية الفلك الجديدة" و"نظرية داروين" طريقة الصحافة -وربما أثرها- في تقديم النظريات العلمية الجديدة، ونشرها بين المجتمع عمومًا وتعريف الرأي العام بها، كنا نريد أن نعرضها كما هي، وكما عرفوها، ولذا أطلت في النصوص، ففي ذلك الوقت لم يكن للناس سوى الصحافة، ومن التتبع التاريخي أن هذه النظريات لم تظهر للمجتمع إلا من خلال الصحافة، فحتى المدارس والمعاهد والمؤلفين لم يكونوا قد عرضوا هذه الموضوعات بوضوح كعرض الصحافة، وكان أجرأ عرض لها هو عبر الصحافة النصرانية. وقد كان من آثار الطرح: إبراز رؤية جديدة حول مسائل علمية ذات بعد علماني، وإبراز مشكلة التعارض بين الدين والعلم، وتأسيس طريقة لحلّ مشكلة التعارض بحسب ما يرونه.
[النموذج الثاني: مجلة الجامعة العثمانية "الجامعة" لفرح أنطون -الإطار العلماني]
تمثل مجلة "الجامعة" نموذجًا آخر لتقديم مشكلة العلاقة بالعلم ومناهجه ونظرياته الحديثة، فإذا كانت المقتطف تركز على النظريات العلمية الطبيعية، فإن مجلة "الجامعة" تركز على المنهج والفلسفة وفلسفة العلم والنظرة العلمية والعلمنة، وقد جاءت في ظلّ أوضاع مؤلمة للعالم الإِسلامي حيث كانت مصر تحت الاحتلال الإِنجليزي لتصدر "الجامعة العثمانية" كمجلة "سياسية علمية أدبية تهذيبية" سنة (١٣١٧ هـ - ١٨٩٩ م)، وبقدر ما أسهمت في تعريف المجتمع القارئ آنذاك ببعض المعارف المفيدة بقدر ما كانت تتحرك في إطارها "النصراني - التغريبي" في بلاد المسلمين. وتختلف مجلة "الجامعة" عن "المقتطف" أن المقتطف تخصصت في الموضوعات العلمية والصناعية أما الجامعة وإن وجد فيها شيء من ذلك، إلا أن أخطر ما ركزت عليه هو صورة العلاقة بين الدين والعلم؛ لأنها جاءت في وقت لم تتحدد فيه صورة العلم الحديث داخل المجتمع المسلم: ما هو؟ وما العلاقة بينه وبين الدين؟ وما العلاقة بين مؤسساته ومناهجه وبين مؤسسات المجتمع القديمة ومناهج التعليم الموروثة؟
كانت المرحلة مرحلة مخاض عسير، كيف يتحدد وجود "العلم العصري" داخل المجتمع المسلم، ذاك العلم المنتشر في بلاد أوروبا؟ كان الموقف ضبابيًا