للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الظهور بمن يكذب بأمور الدين (١)، ومن أجل ذلك ركّزوا على هذا القالب الذي يرون فيه معالجة كافية للمشكلة، وقد أصبح أحد القوالب السائدة فيما بعد، وهو قالب قديم ومعروف وله أشكال مختلفة، ولكن القالب قد افترض أن حقيقة الطبيعة قد كشفها علماء الطبيعة وبهذا يكون ما كشفوه مقابلًا لما نجده في الوحي، وما يبقى بعد ذلك إلا توضيح أحدهما بالآخر أو التوفيق بينهما عند التعارض، وهو تسويق سريع -غير مقبول- لكل ما جاء من دائرة العلوم العصرية وإعطائها جميعًا درجة واحدة من الصحة، ما دام أنها تنتمي لدائرة العلم. يكون القالب السابق صحيحًا إذا كان لدينا القطع التام بصحة الوحي ودلالاته القطعية، والقطع التام بصحة المسألة العلمية ودلالتها القطعية، فإذا تحقق فيهما ذاك فهي مما ينطبق عليه القالب.

جاء في هذا السياق مشاركة تؤيد أستاذ الكلية السورية اليسوعية من "يوسف حائك" من الإسكندرية، ومما قال: "فنحن نعلم أن كثيرين من الفلاسفة كفرة، ولم تزل أعمالهم واكتشافاتهم واختراعاتهم مستغرقة عظيم الاعتبار، وعائدة عليهم بجليل الثناء، فلا يمكننا إلا أن نجاهر بها، ولا نستطيع إفسادها فإن المذهب العلمي هو غير المذهب الديني، على أن الدين الحقيقي لا يناقض العلم كما أشار حضرة المعترض؛ فما العلم سوى تبيان النواميس التي أجرى الله الكون عليها. ويتفق الفلاسفة من معطلة ومعتقدين بالله بالبحث عن الحقائق، ويختلفون بأن هؤلاء يعترفون أن واضع النواميس هو الله -عزّ وجلّ- وأولئك ينكرون ذلك، فلا حرج إذًا إذا مثّل المؤمن بآراء الكفرة العلمية في جلسةٍ علمية" (٢)، فهي تؤكد التقابل بين "مذهب علمي" وآخر "ديني"، يختلفان ولكن لا يتناقضان. وما نؤكده هنا هو أنها امتداد لمشكلة مجتمعات أخرى، مجتمع انحرف فيه الدين عندهم عبر قرون ونشأ العلم الحديث من ثلاثة قرون مما يجعل التقابل مُفَسرًا، ومن الطبيعي امتداد المشكلة داخل الطائفة النصرانية العربية لسبقها إلى دراسة هذه العلوم واشتراكهم مع أوروبا في الإطار الديني والثقافي العام، ولكن


(١) جاء في سؤال من قارئ للمجلة: (على أي شيء ترتكز الكرة الأرضية بشرط أن لا يخالف ذلك الديانة المسيحية؟) فكان الجواب: (معاذ الله أن نناقض الديانة المسيحية في شيء. .)، المقتطف ١/ ٢٥٥ - ٢٥٦.
(٢) مجلة المقتطف ٧/ ٢٩١.

<<  <  ج: ص:  >  >>