يقول: إنه لا يوافقني على ذكر دارون مثالًا على رجال العلم. ." (١).
يحيل هذا النص مشكلة النظرية من باب العلم إلى العلاقة بين "خبر الوحي" و"معلومات العلوم الطبيعية"، ولكن لا تصح تلك المساواة؛ فإن الوحي قد اختار له المولى سبحانه أفضل خلقه من الملائكة والبشر، والرب هو المتكلم به سبحانه، أما "معلومات العلوم الطبيعية" فهي اجتهاد بشري لا ضامن للصواب فيه، فكيف يُقارن بالوحي؟ لا شك أن الأمر بالنظر في مخلوقات الله قد كثر وروده في الوحي، وهو يدل على أن من نظر في الكون قاده النظر السليم إلى الإيمان بالوحي والإيمان بالله سبحانه، فلا تناقض بين قوله وعمله فله الخلق سبحانه وله الأمر، والاعتراض هنا أنه كيف توضع اكتشافات علماء الطبيعة بموازاة حقائق الوحي؛ لأن هذا العمل يؤدي إلى افتراض المساواة، وعند افتراض المساواة فإن وقَعَ ما يوهم التعارض وقع القارئ لهما في إشكال، فماذا يعمل جراء ذلك؟ نحن لدينا يقين بالوحي، فالله سبحانه اختار أعظم ملائكته، وأوصله لأعظم خلقه من البشر، أما معلومات العلوم الطبيعية، فأهلها إنما كشفوها بمناهج تجريبية عمدتها الاستقراء الناقص، فكيف إذا اجتمع بذلك أهواء قوم مالوا بالعلوم في اتجاهات لا دينية ولو زعموا الموضوعية والمنهجية والعلمية.
نعلم علم اليقين أن الحق واحد، وأن ما في الطبيعة من خلق الله سبحانه لا يتعارض مع الوحي، فهذا كلامه وهذا خلقه، ولكن هناك فرق بين الطبيعة ذاتها وما فيها من سنن وآيات كونية، وبين ما يعلنه العلماء من نظريات وقوانين كشفوها، وعندما توضع تلك المقابلة بما تعنيه من مساواة بين ما في الوحي وما في مكتشفات علماء الطبيعة فهي مقابلة ظالمة وباطلة، فكيف تُقام بين الوحي الحق وبين ظنيات البشر وجهودهم بما يعتريها من نقص وضعف وأهواء.
كانت المجلة تركز على تقديم المشكلة بهذا الأسلوب؛ أي: أن الوحي من عند الله والطبيعة من خلق الله، فلا يمكن أن يقع هناك تعارض، فيشعر أصحابها بأنهم قد عالجوا المشكلة بينما هم قد وضعوا لغمًا ربما عن غير قصد، فالذي يظهر بأنهم يحترمون على الأقل أهل ملتهم ويظهرون تعظيمهم لدينهم ولا يريدون