للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ركنين مهمين في الدين: الإيمان بالله والإيمان باليوم الآخر، وهما -مع غيرهما من الأصول الدينية- الشرط الضروري للباب الأخلاقي، ودونهما فكل دعاوى العلمية هي دعوى زائفة، أو تكون وصفية باردة لا تغير شيئًا؛ لأنه قد استُبعد منها الواجب والمحرم الديني، وما يرتبط بهما من ثواب وعقاب دنيوي وأخروي، فهذه من الأمور التي تضعف من علمية الأخلاق عند المتأثرين بعلمنة الأخلاق.

[النموذج الثاني: من علم النفس]

نذهب لدراسة حديثة ذات نزعة فرويدية مغالية في "فرويد" (١)، فلقد اتبعه في الأخلاق كما اتبعه فيما هو أكبر من ذلك وهو الدين، وأصل نظرية فرويد -بحسب الكاتب عباس- وأساسها يعود إلى ما أسماه بـ"عقدة أوديب" التي ينبع منها بحسب زعمه الأخلاق والدين والثقافة والحضارة، ففي عنوان داخلي نجد "مشروع فرويد: تأسيس حركة تحرر أخلاقي" (٢)، إذ يجعل دعوة فرويد حركة تحرر إيجابية، وكما يقول: "ينتقد فرويد الحضارة والدين: فهو يرى أن الحضارة حرمت التعبير عن الحياة الجنسية بهدف الاستفادة من طاقة الميول الجنسية المقموعة. كما يرى بأن الدين، ومعتقداته، ومحرماته، ليس إلا وهمًا، تولد عن قلق الإنسان" (٣)، وبهذا يكون دور التحليل النفسي تحرير الإنسان من هذا الكبت المسبب لتأزمه وقلقه، وبحسب المؤلف "كان فرويد يعتقد أن مهمته الأساسية تأسيس حركة عالمية للتقويم الأخلاقي والعقلي للإنسان. ." بدعوى "تحقيق أخلاقية علمية جديدة" لاسيّما حول مسألة كبت الحاجات الجنسية التي تؤدي إلى مرض العصاب (٤)، وربما يدخل هذا في رغبة لاشعورية لفرويد كشف عنها


(١) الإنسان المعاصر في التحليل النفسي الفرويدي، د. فيصل عباس، ويأتي بدرجة أقل في التحمس بحث علمي: (الأخلاق عند فرويد لمحمد العجيلي وتقديم عادل العوا)، يغلب عليه الوصف دون حسّ نقدي، ورغم عدم تعصبه كما هو مع عباس إلا أنه أخرجها كنموذج أخلاقي مميز ومتماسك، ولم يظهر منه أي نقد حقيقي أو موقف واضح من الدمار الذي ألحقه "فرويد" بجانب الأخلاق تحت مسمى العلمية، بخلاف مقدمه الذي ألمح لبعض الثغرات الفرويدية في تقديمه للكتاب [ص ١١ - ١٢ من التقديم].
(٢) المرجع السابق ص ٩٥.
(٣) المرجع السابق ص ٩٧.
(٤) انظر: المرجع السابق ص ٩٨ - ٩٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>