أو الواجبات. أما بعد أن ظهر أنه حتى في باب المادة يصعب القول بخضوعها التام لمبدأ الحتمية فمن باب أولى الإنسان. ومع ذلك فقد كانت هناك بعض الاعتراضات على مثل هذا الموقف؛ لأن نظرية الكم لاسيّما فيما يتعلق بحركة الإلكترون لم تجزم بعدم سيره على نظام معين، وإنما كل ما هنالك الجهل إلى الآن بحقيقة هذا القانون الذي يسير في ضوئه، ويزيدون في اعتراضهم بالقول العام المناسب لكل نظرية: بأن العلم قابل للتطور فهل نربط حرية الإرادة بالنظريات العلمية، فماذا نفعل لو ظهرت تطورات علمية ساندت من جديد الرأي القائل بالحتمية (١).
وهذا الجدل الدائر في الوسط الغربي مفيد لغيرهم، إذ من المهم -ونحن نتابع مثل هذه التطورات- أن تنتبه أمتنا لمثل هذه التجارب، ويتخذ أهلها من ذلك الدروس الكافية؛ فإنه في مثل هذا الباب ورغم الجدل الدائر حول الموضوع منذ مئات السنين، إلا أنهم لم يصلوا فيه إلى الحلّ المريح، ومثله ما حدث في بلاد المسلمين من جدال واسع بين القدرية والجبرية، فما استطاع أحد منهما إيجاد ما يثبت صحة كلامه، وهذا يعني أن المشكلة لن تجد حلها في دائرة العلم ولا في دائرة الفلسفة. فأما العلم فها هي نظرياته تدفع بهم في اضطراب دائم من اليمين إلى اليسار أو عكسه، ولذا رأى آخرون بأن الحل هو في الفلسفة، ومع ذلك فهي أكثر حيرة في الباب، فما بقي إلا العودة للحل الديني الذي نجده في الوحي من كلام رب العالمين سبحانه وهدى سيد المرسلين محمَّد - صلى الله عليه وسلم -.
[د- خاتمة حول الفيزياء المعاصرة]
تعود الإطالة مع نظريتي الفيزياء لأكثر من سبب؛ منها: أنهما أشهر نظريات العلم في القرن الرابع عشر/ العشرين، ولذا فهي أنسب لتمثيل القرن، كما أنها ترتبط بعلم يُعدّ من أدق العلوم الطبيعية وهو سبب وجيه لجعله مقياسًا لغيره، كما أن آثارها في مجالات عدّة من مجالات الفكر وشهرتها وامتدادها إلى اليوم، كل ذلك يدفع أي باحث للتوقف معها أكثر من غيرها, لاسيّما أن هناك
(١) انظر: فلسفة العلم، فيليب فرانك ص ٣١١ وما بعدها، وانظر: الفصل السادس من العالم بين العلم والفلسفة، جاسم العلوي ص ١٦٣.