للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فليس العيب فيه فقط، بل العيب فينا عندما انسقنا إلى كل تلك المشكلات حتى كبر حالها داخل الأمة، وظهر خطرها وأصبح من الواجب النظر فيها والانشغال بها، ولله الأمر من قبل ومن بعد.

[المثال الثاني: داروين ونظرية التطور]

رأينا في المثال السابق ما أثارته المجلة وتردد في أعدادها لسنتَي (١٨٧٦ - ١٨٧٧ م)، فبعد أن عرّفت بعَلَم أوروبي مشهور "نيوتن" تكلمت عن نظرية الفلك الجديدة، وما نتج عن ذلك من مشاكل حول العلم الحديث، وسنرى هنا مثالًا آخر لطريقة تعريفها بشخصية أخرى، ثم نظرية تبحث عن كيفية ظهور الحياة والإنسان، التي عُرفت بنظرية التطور الدارونية، وقد كان ذلك سنة الاحتلال الإِنجليزي لمصر، وما مثّله ذلك من دعم معنوي ومادي للنصارى، نجد ذلك في أعداد السنة السابعة (١٨٨٢ م)، وهذه المسألة كغيرها مما أثارته المجلة لم يكن مفيدًا في سياق التحديث والنهضة، فقد انشغلت الأمة لما يقرب من نصف قرن بهذه النظرية ومسائلها، وكثرت المقالات والتآليف حولها من جميع الأطراف، من النصارى فيما بينهم وكذا من المسلمين، وتحولت المسألة من بحث في نطاق العلوم الطبيعية إلى خلاف ديني حاد، وكما افتتح الاحتلال الإِنجليزي مرحلة خطيرة من عمق العالم الإِسلامي، فإن المجلة في ظل هذه الأجواء فتحت مشكلة تحت ستار العلم العصري، وكما أسلفنا كان يمكن تجاهلها أو تأجيلها.

نجد في افتتاحية السنة السابعة ما يذكرنا بالافتتاحية الأولى، وفيها أن حجم الجريدة أصبح أكبر، وأنهم اتفقوا مع جمعية من كبار الجمعيات الأوروبية أن تمدهم بالصور والأشكال اللازمة للإيضاح، والتذكير بأنها "لا ترغب إلا في نشر المعارف، والحث على إحياء الصناعة والزراعة والإسراع إلى ما به ارتقاء الأمة العربية وصلاح حال الهيئة الاجتماعية" (١)، ثم تفتتح بمقال مطول عن سيرة "شارلس دارون" ومدحته المجلة، وقارنته في كثير من المسائل بـ"نيوتن"، ومن ذلك: "ولم يقم في الناس غير نيوتن رجل كدارون استلم زمام الأذهان وحوّل إليه الأبصار وقال البشر للبحث في كل مبحث شاءه. . . . ولم يمتلك رجل الآراء


(١) انظر: مجلة المقتطف ٧/ ١.

<<  <  ج: ص:  >  >>