وهذا الجواب مقتبس في الجملة من الغزالي قديمًا أو من كتاب ظهر باللغة التركية في مقرّ السلطنة، وركز فيه على المنهج عند التعارض ولم يتكلم على المسألة، وربما أنه تكلم ولم تُعرض في المجلة (١)، ولكنه يكشف عن ظاهرة جديدة في المجتمع الإِسلامي، فقد كان طلب التحديث في بدايته دون مشاكل، فهناك دراسة للطب والهندسة والصناعة وغيرها ولم تظهر مشكلة التعارض، وبعد إثارة مسائل من مشاكل العلوم الحديثة التي لا يترتب على تجاهلها أو تأخيرها تأخر في النهضة أو التحديث، ولاسيّما في مسائل من النظريات العلمية الحديثة ظهرت إشكالية توهم التعارض.
ولكن بعد أن أثار النصارى في مدارسهم وفي صحافتهم هذه المشاكل، ثم تصارعوا حولها ثم صدروها إلى الوسط الإِسلامي بدأ العرض الإسلامي حول الموضوع، ولكن المعالجات الإِسلامية في الموضوع اختلفت لوجود ذاك الاختلاف بين المسلمين أنفسهم، فمنهم من رجع لطريقة المتكلمين ومنهجهم، ومنهم من وقف مع ما ظهر له من النصوص، ولا يشترط أن يكون ما ظهر له هو الحق أو الصواب ورفض مطلقًا كل ما جاء في العلوم العصرية، ومنهم من استسلم للعلوم العصرية بكل ما فيها وتغافل عن الدين سالكًا موقفًا علمانيًا، وتأخر ظهور الموقف السلفي؛ وذلك أن المناطق التي وقعت تحت دائرة الاحتكاك كانت محتواه من مناهج كلامية أو طرق صوفية.
يفترض الجواب الذي عرضه المشارك المسلم وجود مشكلة، ولم يتساءل عمن أوجدها في بيئتنا المعاصرة، ولِمَ أوجدها؟ وهل ما قُدّم يستحق الوقوف؟ ولِمَ لم نقف مع العلوم النافعة والمفيدة؟ وهكذا نشعر أن هناك من جرنا إلى معركة لم نكن في حاجة لدخولها، وربما تسببت في تأخير طلبنا للنفع وتعكير صفو النافع. كان يمكننا تجاهل ذلك أول الأمر، ولكن بعد أن تشبع الرأي العام المثقف بمثل تلك القضايا وانتشرت الأفكار المشككة والمشتبهة، أصبح لابد لنا من معالجة الشبهة.
قد لا نلقي بكل اللوم على من أثار ما كان حظه التأخير أو التجاهل،
(١) ألمح "طنطاوي جوهري" لهذا الكتاب التركي في كتابه: جواهر العلوم والآداب. . . . ص ١١٨ عن الفلكي "عبد الله فكري".