للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثانيًا: موجز لصورة العلوم في الحضارة الإِسلامية

سأعرض باختصار صورة العلم في الأمة الإِسلامية كما عرضها "ابن خلدون" في القرن الثامن الهجري عرضًا مجملًا، وهي صورة تكشف تلك النقلة الكبيرة التي أحدثها الإِسلام في أهله، وتكشف أثره في دفع الأمة المسلمة نحو العلم، وهذه المرحلة التي كتب فيها ابن خلدون قد تكون آخر مراحل تقدم العالم الإِسلامي؛ إذ حدث بعده التقهقر والضعف في وقت كانت أمة منافسة للمسلمين تحاول اكتساب معارف المسلمين وعلومهم لتزاحم أمتنا من جديد.

فيقول ابن خلدون: "اعلم أن العلوم التي يخوض فيها البشر ويتداولونها في الأمصار تحصيلًا وتعليمًا هي على صنفين: صنف طبيعي للإنسان يهتدي إليه بفكره، وصنف نقلي يأخذه عمن وضعه. والأول هي العلوم الحِكْمِيّة الفلسفية، وهي التي يمكن أن يقف عليها الإنسان بطبيعة فكره، ويهتدي بمداركه البشرية إلى موضوعاتها ومسائلها وأنحاء براهينها ووجوه تعليمها، حتى يَقِفَهُ نظره وبحثه على الصواب من الخطأ فيها، من حيث هو إنسان ذو فكر"، ويدخل في هذا القسم -كما هو معلوم- العلوم الطبيعية والرياضية وغيرها، "والثاني هي العلوم النقلية الوضعية، وهي كلها مستندة إلى الخبر عن الوضع الشرعي،. . . ."، إلى أن قال: "وأصل هذه العلوم النقلية الوضعية كلها هي الشرعيات من الكتاب والسنة التي هي مشروعة لنا من الله ورسوله، وما يتعلق بذلك من العلوم التي تهيئها للإفادة. ثم يستتبع ذلك علوم اللسان العربي الذي هو لسان الملّة وبه نزل القرآن. وأصناف هذه العلوم النقلية كثيرة" (١). ثم قام بعرض النوعين النقلي


(١) مقدمة ابن خلدون ٣/ ١٠٢٥ - ١٠٢٦، تحقيق د. علي عبد الواحد وافي.

<<  <  ج: ص:  >  >>