للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأشهرهم من غير الماديين، وهذا أحد الماديين وصاحب أشهر كتاب عن تاريخ المادية يبطل مزاعم أصحابه في نهايات القرن الثالث عشر/ التاسع عشر "ألبرت لانجه" بعنوان "تاريخ المادية" وهو بحسب كلام "د. فؤاد زكريا": "موسوعة ضخمة تجمع كل ما عرف عن المادية" (١)، وبرغم من أنه يرى بأن المادية قد استفادت من تقدم العلوم الطبيعية "حتى إن الماديين الذين عرفهم لانجه حاولوا أن يربطوا مذهبهم بالعلم ربطًا نهائيًا، مؤكدين أنه لا مجال للبحث في أي موضوع ما عدا العلم الطبيعي، إذ لا يوجد خارج الطبيعة شيء" (٢)؛ إلا أنه ينكر زعم الماديين بأنهم الممثل المهم أو الوحيد للعلم، ودليله "أن الكشوف والانقلابات الكبرى في العلم قد تمت على أيدي علماء لم يكونوا من ذوي النزعة المادية" (٣)، فهذه الشهادة من أهلها كما يقال، وفيها دلالة بيّنة على أن دور الماديين لا يتجاوز الادعاء ومحاولة الالتصاق بالعلم لا ليخدموه أو يطوروه وينفعوا به البشرية؛ وإنما ليخدموا به مذهبهم المادي.

ثانيًا: آلية التعميم لاستغلال العلوم الحديثة:

من المهم بداية التفريق بين الاستثمار والاستغلال، فالاستثمار يوحي بموقفٍ حسن في الغالب بخلاف الاستغلال، فهو يدل على موقف خسيس ودنيء، والأصل في الاستثمار أن يقوم على النزاهة وخدمة الأغراض الحسنة؛ أما الاستغلال فيقوم على الكذب والخيانة وخدمة الأغراض السيئة. إذا علمنا ذلك -على الأقل بحسب ما أرتضيه هنا لتوضيح الفكرة- فإنه يحق لكل واحد أن ينتفع بالعلم ونجاحاته وثماره، لكن هناك من ينتفع به بصورة حسنة ولأغراض مشروعة، فهذا ما نسميه الاستثمار الحسن، وليس كل الناس بهذه الحال، وهناك أيضًا من ينتفع بالعلم على وجه سيئ ولأغراض باطلة، فهذا ما نسميه الاستغلال السيئ.


(١) انظر: آفاق الفلسفة، فؤاد زكريا ص ٢١٧.
(٢) المرجع السابق ص ٢٣٠.
(٣) المرجع السابق ص ٢٣٢، ومن بين الكتب التي اعتنت بما يمكن تسميته التأصيل العلمي الطبيعي للمادية كتاب: ديالكتيك الطبيعة، فريدريك إنجلس، ترجمة توفيق سلوم، فرغم حرص صاحبه على ربط المادية بالعلم، إلا أن العلماء والفلاسفة الذين خدموا العلم في قائمة كتابه من الماديين قلّة، وبعض من ذكرهم يطلق عليه وصف المادية تجاوزا. انظر: قائمة الأسماء الواردة في كتابه ص ٣٠٩ - ٣٢٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>