سادسًا: بيئة ثقافية جديدة وحضور التيار التغريبي فيها
إن الأحداث الكبار التي عرفها العالم الإِسلامي من القرن (١٢/ ١٨) قد أوجدت بيئة ثقافية وفكرية جديدة، تصب فيها مشارب مختلفة، وتختلف هذه البيئة بحسب المكان الذي ظهرت فيه فتجدها تكتسب بعض صورتها من عناصر ذلك المكان.
كان يقود هذه البيئة مجموعة من العلماء والمفكرين والكتاب والأدباء وقيادات اجتماعية وسياسية، وكانت أدبياتها تظهر في الكتابات الفكرية والصحافة والأدب والنشاط السياسي والاجتماعي، وقد كانت هذه البيئة -أول ظهورها- أقرب لمفهوم الإصلاح والتحديث الإيجابي ولكنها -بعد تغلغل شخصيات مُختَرقة من الفكر الغربي أو دخول أطراف دينية غير إسلامية في نشاطها-، تحولت تدريجيًا نحو التغريب والابتعاد عن الإِسلام، ثم ازدادت حدّة ذلك مع واقعة الاستعمار الضخمة للعالم الإِسلامي، إذ قام جهد ضخم وكبير لتفريغ هذه البيئة من كل مضمون إسلامي وفي المقابل تغذيتها بكل ما هو ضد الإِسلام، وهيأ الاستعمار الظروف المناسبة لوصول المناهضين للإسلام أو الضعفاء في تصورهم حوله إلى قمة هذه البيئة، ووفر لهم كل الدعم، مما جعلها بيئة مثالية لتوليد تيارات التغريب، وحُصر مفهوم التقدم والتحديث والمدنية بالتصور الذي يطرحه الاستعمار ويتشربه أصحاب هذه البيئة، وأخطر صور ذلك: سعيه لجعل مفهوم التقدم يتعارض تمامًا مع الإِسلام، وأنه لا حلّ للمسلمين إن أرادوا التقدم إلا بنبذ الإِسلام، وقد استجاب لهذا الطرح نخبة كبيرة من أصحاب هذه البيئة الجديدة.