ثم فُتح الباب لدخول نظريات علوم الاجتماع المختلفة في علم الاجتماع والنفس والتاريخ واللغة والنقد والقانون والاقتصاد والسياسة وغيرها (١)، وأصبحت الدراسة العليا في بلاد المسلمين وكأنها نسخة من معاهد الغرب، بعد تفريغها من المحتوى الذي يمكن أن يعطينا القوة. ومع فتح الباب لهذه العلوم يمكن القول بأنه قد أُقفل مسار تطورنا نحو التحديث وامتلاك العلوم النافعة، وفتح في المقابل مسار الانشغال بنظريات وأفكار لم تُنجز بعد في بلدها، ونُقل لنا منها ما يخدم الاستعمار ويخدم تفوق الغرب فقط.
وهكذا نجد في الغرب مئات الجامعات المتخصصة في العلوم النافعة من طب وهندسة وتقنية فضلًا عن مراكز الأبحاث العملاقة، ومراكز ومعاهد وأكاديميات في هذه العلوم هي أهم وأكثر نفعًا لهم وللعالم، ولا تُقارن في عددها ونفعها بالجامعات المتخصصة في العلوم الإنسانية. وعندما جاءنا الاستعمار لم يمنحنا من النوع النافع شيئًا بينما أغرقنا في كليات العلوم الاجتماعية والإنسانية، وليس مقصدي التقليل من أهمية العلوم الاجتماعية والإنسانية، فهي مهمة شريطة التأصيل الإِسلامي لها، ولكنها ليست هي ما كنا نريده من الغرب، فقد كان من الممكن إنشاء علوم اجتماعية أصيلة دون الالتفات إلى نظريات اليهود والماديين والوضيعين، بخلاف العلوم المادية فهي مهمة ونحن في حاجة إليها ولا توجد آنذاك إلا عند الغرب، ولكن الاستعمار نجح في تشكيل تيار تغريبي يرى أن التقدم مرهون بنقل الأفكار قبل العلوم، وتغيير العقول والتصورات في المجتمع الإِسلامي ثم نقل الجانب المادي، فبقينا إلى الآن دون استقلال حقيقي بعلوم اجتماعية نافعة أو علوم بشرية مادية مفيدة، نسأل المولى أن يغير حالنا إلى ما يرضيه سبحانه.
وخلاصة الفقرة أن الاستعمار يعد أخطر الأحداث التي وقعت بالمسلمين في العصر الحديث، وقد لعب دورًا خطيرًا في الانحراف بمسيرة العلم داخل البيئة الإِسلامية، من جهة صنع الانقسام بين العلوم الإِسلامية والعلوم العصرية، وزرع بذور المشكلات في بنية التعليم العصري، بالتركيز على أبواب نحن في غير حاجة إليها أو ضررها أكثر من نفعها.