أصولهم الدينية أو الأخلاقية، وغالبًا ما يكون هؤلاء طرفًا معتدلًا في الجهتين، إما من رجال اللاهوت ولهم معرفة بالعلوم الجديدة، أو من رجال العلم ولهم معرفة باللاهوت أو عندهم تدين، وهذا الموقف يتمثل في دعوة أهله للتوفيق بين الدين والنظريات العلمية، إما عن طريق الجمع أو التأويل أو التفسير الجديد أو غيرها، وقد يأخذ طابعًا مميزًا إذا صدر عنهم في وقت لا يعانون فيه من ضغط خارجي، وإنما صدر عنهم عن قناعة حقيقية.
ويكشف هذا التباين في الموقف من هذه النظرية صعوبة الفصل في النظريات العلمية والخروج منها بقول واحد متفق عليه؛ ذلك أن النظرية العلمية ليست معادلة واضحة أو قانونًا محددًا لا يحتمل إلا قولًا واحدًا، وإنما هي فضاء واسع ضبابي يحمل في طياته: الكلام البيّن صوابه والكلام البيّن خطؤُه والكلام المشتبه وهو الذي يفتح باب الاختلاف والتنازع.
ويستغل عادة أهل الأهواء هذه المساحة الضبابية المشتبهة لإثارة ما يخدم مبادئهم ونشر شبهاتهم، فإن اعترض عليهم معترض دافعوا عن أنفسهم بأنهم يستندون إلى ركن قوي وهو العلم، والعلم قوله حق وفصل، وكأنه من باب واحد يشبه المسائل الحسابية والمعادلات الرياضية والقوانين الفيزيائية والكيميائية، مع أن النظريات العلمية غير ذلك، فهي تحوي هذا وذاك، وفيها مجال للأقوال والأفكار المشتبهة، ولو كانت بمثابة الصواب البيّن لما وقع حولها كل ذلك الاختلاف.
وقد عُرفت هذه المواقف الثلاثة أيضًا في العالم الإِسلامي أثناء دخول هذه النظرية إليه، فظهر الموقف الرافض بإطلاق والموقف القابل بإطلاق والموقف الذي يحاول التوفيق بينها وبين الإِسلام، وقد كانت إحدى أشهر النظريات التي دار بسببها صراع كبير في العالم الإِسلامي.
[[٤] البحث عن حدود النظرية العلمية والدين]
لقد أورث الصراع في المجتمع الغربي بين الفكر والعلم والدين والتفاعلات بينها نتيجة في غاية الأهمية، خلاصتها تدور حول إعادة النظر في قيمة العلم وقيمة الدين، وذلك أن تلك التفاعلات لم تصل إلى نتائج حاسمة مما دفع الفكر إلى إعادة النظر في مجموعة قضايا، ولاسيّما بعد المصير الذي