المسلمين، فهنالك فرق بين من يريد تأسيس حكم خاص وقوى لمصالح ذاتية، وبين من يريد النهوض بالأمة وإحيائها ورفع الضعف عنها، يتأثر كثيرًا مشروع الابتعاث باختلاف الرؤيتين أو المقصدين؛ فالمشروع الأول تذهب ثمرته سريعًا لارتباطه بهوى الأشخاص، أما الثاني فيبقى؛ لأن الأمة قائمة وباقية بأمر الله سبحانه.
[ج- إنشاء المدارس الفنية في مختلف التخصصات]
كان هذا العمل من أهم ما قام به "محمَّد علي" لإيجاد موظفين ومتخصصين في شؤون ولايته، ورغم مهنية أغلب هذه المدارس؛ إلا أنها تلامس بعض العلوم الحديثة، وقد كان المدرسون فيها هم غالبًا من النصارى وكان أغلب أهدافها خدمة الجيش الجديد الذي أنشأه.
وقد يمكن أن تكون هذه المدارس نواة مشروع صناعي وتقني لا يخدم مصر وحسب بل العالم الإِسلامي فيما بعد لولا أن هذه المدارس قد ارتبطت كغيرها بالمصالح الشخصية لا بمصالح الأمة؛ لذا كانت عرضة للتقلب والتغير والإقفال.
كانت هذه المدارس بعيدة عن مشاكل العلوم العصرية؛ لأن ما يُطلب فيها هو العلم العملي لوحده دون العلم النظري ونظرياته؛ فالنظري ميدانه الدوائر العلمية والجامعات والمعاهد المتخصصة في العلوم وهذا أقرب إلى مؤسسة شبيهة بالأزهر، أما العملي فيُكتفى فيه غالبًا بأخذ الجانب التطبيقي من العلوم القابلة للتوظيف المادي.
فالتركيز على هذا الجانب العملي الوظيفي كان سيبعدنا عن المشاكل المرتبطة بالعلم النظري ونظرياته، كما ظهرت في أوروبا من نظريات الفلك إلى "نيوتن"؛ أي: إلى الفترة التي وقع فيها الاحتكاك الأول مع الغرب، ويُؤخر بحثنا فيها حتى نستطيع تحصيل المهم والنافع البيّن نفعه، ويتمكن البعض من تحصيل الأدوات المعرفية والمنهجية التي تساعدنا في التعامل الجيد مع الجانب النظري منها. إلا أن هذا الجانب لم يسلم من المعوقات التي وأدته وأفرغته من ثمرته؛ فإن "محمَّد علي" فتح باب المعاهد الصناعية وبدأ في فتح بعض المشروعات الصناعية، وفي الوقت نفسه فتح السوق أمام الصناعات الأجنبية؛ مما أعاق تطور