كان مجال نقد فكري وفلسفي ولم يُدخل في مجال العلوم الحديثة بصورة واضحة، إلا في نهايات القرن التاسع عشر، ثم العشرين (١٣ - ١٤ هـ) وذلك في إطار العلوم الاجتماعية، بخلاف ميدان الأمور الكونية؛ فقد احتك بها علماء الطبيعة -المؤمن منهم والملحد وفق مصطلحاتهم- من القرن السابع عشر (١١ هـ).
وبسبب سوء العلاقة بين المجال الديني في أوروبا وبين مجالي الفكر والعلم الحديث فقد امتدّ ذاك التوتر في العلاقة إلى ميدان الموضوعات المشتركة بين الدين من جهة والفكر والعلم من جهة أخرى، ودائمًا يوظِف الأقوى أصوله في الانتقام من الآخر، ومنذ انتصار التيار العلماني وهو يوظف كل المستجدات الفكرية أو العلمية أو الأدبية والفنية في إضعاف الدين وإقصائه، ساعدهم في ذلك الانحراف الكبير في الدينين المعروفين في أوروبا، وقد كان استثمار العلوم الطبيعية ونظرياتها في الانتقاص من المعارف الكونية الدينية ونقدها، بينما كان النصيب الأكبر في انتقاص الشرائع من مهمة العلوم الاجتماعية ونظرياتها، والأمر في الباب يرجع إلى الاستثمار الأيديولوجي والتوظيف الخاطئ.
وبالرغم من وجود قضايا مشتركة بين القسمين: الكوني والشرعي، إلا أن الغالب هو ملامسة العلوم الطبيعية للأمور الكونية، وملامسة العلوم الاجتماعية للأمور الشرعية، وهذه القسمة ستوجه مسيرة البحث في دراسة الاستثمار السيئ للنظريات العلمية من تيار عربي في مواجهة الإِسلام أو انتقاصه وإقصائه، حيث نراهم يناورون بين القسمين ومفاهيمهما دون احترام أو تعظيم لدينهم، فلا يرجعون له ولا يتحاكمون إليه؛ فإن الله سبحانه قد أخبر بأن له الخلق والأمر، فقال -تعالى-: {أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ}[الأعراف: ٥٤]، فالخلق يتعلق بالأمور الكونية والأمر خاص بالأمور الشرعية.
[[٢] نظريتا النسبية والكوانتم وثورة جديدة في الفيزياء]
لقد شهد ميدان العلوم الطبيعية تطورًا كبيرًا في هذا القرن، وكان من أهمها ما حدث في ميدان الفيزياء من نظريات واكتشافات، ولما لها من أهمية واسعة أثر فإني سأبسط فيها القول أكثر من غيرها؛ وذلك أنها ذات تأثير كبير خارج إطارها، وتمثل ثورةً كبيرةً في مجال العلم، وتعد صورة لذروة العلوم المعاصرة؛ لهذا وغيره تصبح نموذجًا مناسبًا وجديدًا لعلاقة العلم بغيره.