للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لم يظهر إلا بعد انتزاع أمور الحياة من المؤسسات الدينية، والعلم مرتبط بهذا العالم الذي تهتم به العلمانية ويترك ما وراءه لأنواع أخرى من المعرفة، دينية كانت أم صوفية، "ولم يصبح العلم علمًا إلا منذ أن ركز اهتمامه على فهم هذا الكون المنظور، وترك شؤون الآخرة للدين، ورفض أية محاولة للخلط بين المجالين" (١).

ولهذا يروّج دعاة العلْمَنة للعلمانية تحت ستار العلم، ومن ذلك قولهم: "إنها الأسلوب الوحيد لتحرير العلم من الدين" (٢)، حتى شاع عند بعض الناس أن العلمانية وإن جافت الدين فهي "تشتمل على الأفكار والمبادئ التي تشكل الفكر "العلمي" الذي يمكن أن يعين علي بناء النهضة وصنع التقدم والمساهمة "العلمية" في حل مشكلات التاريخ والاجتماع والاقتصاد والأمية. . . . أي: استقر في خلد البعض أنها هي "العلمية" التي ترتكز على النظر العلمي والبحث المنهجي والاستقراء والملاحظة. . ." (٣).

[وقفتان حول المصطلح: "تاريخية المصطلح، وعلاقته بالعلم"]

أقف الآن وقفتين مع المصطلح، الأولى حول الظرف التاريخي لظاهرة العلمانية، والثانية حول حقيقة الصلة بين العلمانية والعلمية، فأما [الأولى] فتتفق الدراسات على أن العلمانية برزت في مرحلة الصراع الثقافي والاجتماعي بين الكنيسة وخصومها، وقد ارتكبت الكنيسة حماقات كبيرة في صراعها مع العلوم البشرية وأهلها، وادّعت تمثيل الدين في خصومتها، وما كانت أهلًا لتمثيله بما تحمله من جهل وظلم، جهل بالدين الحق وظلم للناس باسم هذا الدين المحرّف الذي تتبناه، وأخطر ما في الأمر أنها أصبحت سُلطةً ذات مكاسب من فرْض جهلها وظلمها، فجاء مشروع العلمنة كحل لفصل الكنيسة عن حياة الناس السياسية والاقتصادية والعلمية والشأن العام كله، فيبقى التدين شأنًا فرديًا، ولكن العلمانية لا يمكن أن تكون عملية فصل محايدة سلبية، وإنما كانت حركة ذات رؤية جديدة بلغت ذروتها في القرن الثالث عشر/ التاسع عشر.


(١) انظر: الصحوة الإِسلامية في ميزان العقل، د. فؤاد زكريا ص ٤٦.
(٢) الإلحاد الديني في مجتمعات المسلمين، د. صابر طعيمة ص ١٣١.
(٣) المرجع السابق ص ٢١٠، بتصرف يسير للاختصار، وقد أبطل الكاتب ذلك.

<<  <  ج: ص:  >  >>