للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العلمنة يعودون من النافذة بعد خروجهم من الباب لإثبات الصلة بين العلمانية والعلم من جهة جوهر رؤيتها، فيجتهدون في ربط العلمانية بالعلم بصورة مباشرة أو غير مباشرة، ومن ثم يدافعون عن علمنة العلم لتعليلات يأتي الوقوف معها لاحقًا، ففي "الموسوعة الفلسفية العربية" المشهورة تعريف بالعلمانية، ويقرّ المعرِّف بها أنها غير مشتقة من العِلم، بل هي من العَالَم، ثم يقول: "ولكن ليس من قبيل الصدفة أن تذهب الأذهان إلى العِلم عند ذكر العلمانية، فما ذلك لتشابه في اللفظ فحسب، بل كذلك للصلة المضمونية. فالعلماني هو بالإجمال من يأخذ بالتصور العلمي للعالم في مقابل التصور الديني" (١)، ويقول "العظمة": "والحال أن العلمانية في توصيفها الفكري تحتمل الاثنين وتتضمنهما معًا، فالعلمانية تستند إلى النظرة العلمية بدل الدينية الخرافية إلى شؤون الكون والطبيعة على العموم، وتؤثر الكلام في علم الفلك على الكلام القرآني حول التكوير، والكلام في الجغرافيا الطبيعية على الكلام حول جبل قاف، والأخذ بالاعتبار العقلي بدل الاعتبار الإيماني والخرافي لأمور كالمعراج والطوفان وانقلاب العصي أفاعيَ، والمشي على الماء وإحياء الموتى، وشق البحر. ." (٢). والحقيقة أن التصور العلمي للعالم ليس لعلميته الكاملة، فهي علمية نسبية وغير مكتملة، ولكنه أصبح يشارك الدين في أمور حول العالم والإنسان والحياة، ويجيب بأجوبة فيها، قد تتفق مع الدين وقد تختلف معه، وبما أن العلماني يهرب من الدين، فإنه يدّعي ذهابه للعلم بسبب دخول العلم مجالات كان الدين هو الذي يتحدث عنها، وقد لا يقدم العلم الجواب المقنع في كثير من المسائل، ولكنه يقدم أجوبته باسم العلمية، فيلتصق العلماني بالعلم كبديل عن الدين، فموقفهم علماني وليس علميًا؛ لأن الموقف العلمي هو الذهاب مع الحق، فإن وجد في الدين ذهب معه وإن وجد في العلم أخذ به، وما في العلم من حقائق لا تتعارض مع الدين الحق.

ويقدم الدكتور "فؤاد زكريا" حجة أخرى لهذا الربط بين العلمانية والعلم بعد أن رجّح عدم الصلة الاشتقاقية، فربطها من جهتين: فالعلم بمعناه الحديث


(١) الموسوعة الفلسفية العربية ٢/ ٩١٤، أعدّ التعريف جورج طرابيشي.
(٢) العلمانية تحت المجهر، د. عبد الوهاب المسيري، د. عزيز العظمة ص ١٥٦، والكلام للعظمة المدافع عن العلمنة.

<<  <  ج: ص:  >  >>