طريقة طلبها كانت سيئة للغاية، وهذا مما يجعل تجربة محمَّد علي تجربة مشبوهة أو تثار حولها الأسئلة.
كان هذا المسلك السيئ واحدًا من طرق تعرفنا على العلوم الحديثة، حيث كان يقدمها لنا من كان يريد الانقضاض علينا واحتلالنا. ومن وقت قصير خرج ذاك العدوّ من تجربة فاشلة مؤلمة لكنه يريد أن يعوضها بمثل هذا التغلغل الخطير تحت مظلة تسويق العلوم الحديثة. لا يمكن بأية حال أن نتوقع من هؤلاء الأجانب تحمسًا منهم لنفع المسلمين أو إعطائهم ما يرفع من شأن المسلمين ويزيد من قوتهم، وكان يمكن أن يُقال بأننا سنأخذ منهم ما ينفعنا -فهم أشبه بالأجير- لولا ما حدث من تمكينهم في إدارة الوضع في مقابل الإقصاء الواضح لمن لا يعجبه من أهل الإِسلام.
كان الأسلوب في تعريف المسلمين بعلوم العصر مستفزًا للغاية، فكيف يمكن تقبل مثل هذا المسلك؟! وكيف يستساغ من العامة فضلًا عن العلماء؟! فرق بين جلب الأجانب وأخذ ما عندهم من علم نافع أو صناعة أو حرفة أو مهارة، وبين أن يمكنوا كل هذا التمكين بينما يُبعد أهل الدين والعلم الشرعي، وقد كان هذا من أسباب تعكر العلاقة مع العلوم الجديدة؛ فقد شعر البعض أننا أخذناها بمهانة وذلة، ووضعت عند أطراف منفصلين عن جسد الأمة، أو وضعت عند من فقدوا هويتهم. قد يقول البعض -وما أكثر ما نقرؤه- بأن هؤلاء الأجانب نشروا معارف انتفع بها الناس، فهذا مستشار التعليم "كلوت" الذي نشر التعليم في مصر وأسس مدارس طبية (١). . . .، فكيف ننكر أثره وأثر من جاء به؟! وهؤلاء لا يفرقون بين الاستفادة مما عند الكافر وبين أن يمكنوا من المسلمين، فتغافلوا عن التساؤل: هل كانت الطرق مقفلة إلا من هذه الطريقة؟ وهل كان الأمر يستحق هذه الخسائر الفادحة من كرامة المسلمين؟ من الصعب محاكمة التاريخ, ولكن هذا الكلام يقال لما نشاهده من تضليل فكري سائد في كثير من الكتابات المعاصرة.
[ب- مشروع الابتعاث لأوروبا]
أشهر قرار اتخذ في القرن الثالث عشر/ التاسع عشر لتحصيل العلوم
(١) انظر: تراجم مشاهير الشرق في القرن التاسع عشر، جرجي زيدان ٢/ ٧ وما بعدها.