العظمى الحكيمة تسيّر كل شيء في الوجود، وأن الشيطان ليس له وجود مشخص. . . ." (١)، فمثل هذا الانحراف الذي يلف لويس ووالده يجعله يقول بمثل هذه المقولات الفاسدة بحجة انتمائه لمنطق العلم والعقل.
وكما سبق فهؤلاء مصممون على إدخال الأمور الشاذة أو المشتبهة ضمن العلم، وجعله هو الذي يتعارض مع الدين، بينما التعارض هنا هو بين الدارونية والدين، والدارونية تحمل في طياتها أشياء باطلة وأخرى خاطئة وثالثة مشتبهة أو مسكوت عنها ورابعة صحيحة، فليست شيئًا واحدًا من الوجهة العلمية، والأخطر من ذلك ما تشبعت به من بُعد مادي لا علاقة له بالعلم، ولهذا كان لعلماء الإِسلام موقفهم المميز من مثل هذه النظريات بخلاف من يقلد تقليد الأعمى.
* * *
[القسم الثالث: دعوى مخالفة العلم لأبواب من الغيبيات]
فهي إما أن تكون مخالفة حقيقية ويكون الحق ما ورد في الغيب؛ لأن معنى ذلك أن ما قدمه العلم ليس من الحقائق، أو أنها دعوى فقط، وهذا النوع هو الأكثر تلبيسًا على الناس، ويتحرك فيه المنحرفون بقوة؛ لأنهم يرونه دليلًا على بطلان الغيب أو بعضه، ودليلًا على صواب موقفهم التكذيبي.
وأفضل باب اتخذه المنحرفون مطية للتكذيب بالغيب باسم العلم هو باب المعجزات، ووضعوا في ذلك شُبَهًا كثيرةً، ففتنت الكثير من الخلق حتى بعض المنتسبين للشريعة، مما جعلهم يؤوّلون المعجزات حتى لا تُعارض العلم، وذلك أن العقلية العلمانية قد انحرفت في باب السببية، فتصورت حتمية جامدة لا تَغيُّر فيها، فلا أحد يستطيع تغييرها حتى من أوجدها، وعدّوا هذا أساسًا علميًا لا يمكن خرقه، ومن ذلك انتظام الكون بنظام حتمي لا يمكن خرقه، وتعد المعجزات خرقًا لهذه الحتمية، وهو أمر مستحيل في تصورهم، وبهذا تكون المعجزات وما في بابها من الغيبيات أمرًا يُبطله العلم بحسب دعواهم، وقد يضيفون لذلك دعاوى أخرى من شهاداتٍ لعلوم طبيعية لم تستطع بحسب زعمهم إثبات بعض المعجزات من مثل علم الحفريات والآثار وغيرها، إلا أن الباب
(١) انظر: أوراق العمر ص ٦٢ نقلًا عن لويس عوض -الأسطورة والحقيقة، د. حلمي القاعود ص ٢٧.