من ألوهية بعض النجوم كعقائد الوثنيين القدامى، وفيهم من اعتقد بالامتداد اللانهائي للكون منبهرًا بهذا المشهد الذي علمه وما صاحب ذلك من القول بوحدة الوجود. فهذه الأمور وغيرها كانت موجودة عند أغلب رواد الثورة العلمية الفلكية، ومع ذلك لا تجدها مذكورة في الكتب التي تحدثت عن الصراع بين الدين والعلم كما يقال، حيث يُظهرون أهل الدين أنهم أهل خرافة بينما أقطاب العلم كأنهم بعيدون عنها، مع أن الجميع -رجال الكنيسة ورواد الثورة العلمية- يشتركون في جوانب من الانحراف العقدي ويجمعون صورًا من الخرافة والدجل.
كان الأمر في باب الفلك في العصور الوسطى الأوروبية قد استقرّ على نظرية "بطليموس" مع الصورة الأرسطية، وأخذت الكنيسة بتلك النظرية وأصبحت جزءًا من معتقدات النصارى، وقد كان الرسم المتخيل للكون بحسب رأي "أرسطو" بأن الأرض هي المركز، حولها الماء، ثم في دائرة أعلى الهواء، ثم القمر، وهذه الكونيات التي تحت القمر، وفوق القمر مجموعة دوائر لمجموعة كواكب، وهي ستة، ثم بعدها حزام مليء بالنجوم (١).
كانت هذه هي النظرية السائدة، ونظرًا لأن المجتمع الأوروبي قد مرّ بأحداث كبيرة ضربت الكنيسة وعلمها، من ذلك الحركة الإنسانية وحركة الإصلاح الديني؛ فقد صاحب ذلك بلبلة عميقة أصابت الأوروبيين. ورغم اتفاق الكنيسة الكاثوليكية والمنشقين الجدد البروتستانت على نظام أرسطو؛ إلا أن هناك فئة بدأت تتشكك فيه، ويرون فيه ثغرات كبيرة، ويبحثون عن تصور جديد حول طبيعة حركة ما يرونه من أفلاك لاسيّما الدائر منها فيما أطلق عليه فيما بعد بالمجموعة الشمسية.
[ب - علم الفلك الجديد وشخصياته]
كان أغلب رواد الثورة العلمية الفلكية الجديدة من أبناء الكنيسة، ومنهم من سلك في مراتبها درجات عليا، إلا أنه كما حدث من أبنائها من انشق عنها في الجانب الديني الطقوسي؛ فهناك أيضًا من سيبدأ في الانشقاق عنها في ما تعتقده من علوم ومعارف، وهذا يقودنا إلى التعرف على شخصيات المرحلة الجديدة، والنظرية التي ضربوا بها الفكر السائد في زمنهم.