للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

"إدريس" عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام والله أعلم بحقيقة ذلك كما يقول شيخ الإسلام ابن تيميه - رحمه الله -، ومنه ما هو صحيح حيث يقول أيضًا: "أما الحساب -وهو نوع منه- فهو معرفة أقدار الأفلاك والكواكب وصفاتها ومقادير حركاتها، وما يتبع ذلك، فهذا في الأصل علم صحيح لا ريب فيه، كمعرفة الأرض وصفتها، ونحو ذلك، لكن جمهور التدقيق منه كثير التعب، قليل الفائدة، كالعلم مثلا بمقادير الدقائق، والثواني، والثوالث في حركات السبعة المتحيرة. . . ." (١)، ومنه ما هو حرام كعلم التنجيم القائم على السحر وما في بابه، أو خاطئ كأي علم توجد فيه ثغرات تُصحح مع الزمن. فالصحيح منه ما قام على الرصد والتأمل والحساب، وقد يعتريه الخطأ من بعض جوانبه، لاسيّما مع نقص الأجهزة الكافية للوصول إلى نتائج سليمة.

ومن مشاكل علم الفلك القديم أنه اشتهر في بيئات وثنية كاشتهاره في بلاد اليونان الوثنية، فاشتغل به بعد ذلك كثير من الناس ليوصلهم إلى أبواب التنجيم، وقد كان التنجيم بابًا لجمع الأموال واستغلال رغبة الناس في معرفة المستقبل والغيب، وكان بابًا للوصول إلى الرئاسة، حيث كان كثير من الملوك والأمراء يقربون المنجمين ويستشيرونهم في كثير من الأمور.

وهكذا إما أن نجد المنجم كاهنًا في أحد المعابد التي تُعبد فيها الكواكب والنجوم، أو لصًا يجمع الأموال ويتّجر بهذا العلم، أو مقربًا من السلاطين والملوك فينعم بالمنزلة والمكانة. لهذا وغيره راج سوق علم التنجيم وكثر طلابه، بخلاف علم الفلك الصحيح، فهو أصعب وطلبه أعسر.

وقد كان الموقف الشرعي في الجملة إباحة ما ينفع منه وتظهر ثمرته أو السكوت عنه، وتحريم ما لا ينفع، وفيه انحراف عقدي؛ كادعاء علم الغيب ومعرفة آثارها في الأرض على وجه التفصيل أو ما إلى ذلك (٢).

والغريب في الأمر أن رواد الثورة العلمية الفلكية كان عندهم عناية بأمور التنجيم إلى جانب عنايتهم بعلم الفلك الصحيح، وكان عند بعضهم اعتقاد شيء


(١) مجموع الفتاوى ٣٥/ ١٨١.
(٢) انظر: علم النجوم هل الشروع فيه محمود أم مذموم؟ الإمام الحافظ الخطيب البغدادي ص ٢١ - ٤٦، تحقيق طارق العمودي.

<<  <  ج: ص:  >  >>