وإن كانوا في أنفسهم ربما يرفضون هذا الانتساب، ولكن الحكم هو بأعمالهم، وهي أعمال تصب في خانة التغريب والعلمنة.
سأذكر بعض النماذج التي تُبين لنا حقيقة موقف هذا الاتجاه من العلوم الحديثة، أبدؤه بالنموذج "الهندي"، ثم أنتقل منه إلى النموذج "العربي" الأشهر والأبرز مع "جمال الدين الأفغاني" و"محمَّد عبده". أما المتأثرون بهذه المدرسة فهم كثر، وقد غطتهم كثير من الدراسات، فلعل الاكتفاء بالأصل فيه غُنية عن الفرع. وإن تساءل متسائل: لماذا لم نطل الحديث هنا كما فعلنا مع السلفي أو نختصر هناك كما فعلنا هنا؟ فجوابه: أن الاتجاه السلفي كان مقصيًا من أغلب الدراسات المعاصرة مُحَاربًا من تيارات فكرية، غُمط حقه وموقفه وظلم كثيرًا وبُهت أحيانًا، فأردت كشف شيء من الحقيقة بخلاف الاتجاه "العصراني - التوفيقي" فقد حظي بدراسات كثيرة.
ثانيًا: ظهور الاتجاه العصراني وحقيقة منهجه:
يصعب البحث عن أسباب ظهور الاتجاه العصراني -التوفيقي- الذي ضعف أمام الحضارة الغربية في الجزء العلمي والفكري منها على وجه الخصوص، وتجرأ -بدرجات متفاوتة- على النصوص والأصول فأوّلها لصالح هذا الوافد العلمي والفكري، لكن يمكن الوقوف على بعض المعالم المهمة في الموضوع. لقد كشف الفصل الثالث والرابع أن قرار الاستفادة من الحضارة الغربية كان سياسيًا في المقام الأول ولم يكن من قبل العلماء والمفكرين، ولم يكن لهم دور واضح في الموضوع. وقد رأينا تأخر الأزهر -وهو أهم مركز علمي إسلامي، مع بقية المراكز العلمية الإِسلامية- في إخراج موقف واقعي وعملي يمثل شخصية الأزهر، وأثر تأخره في تباين المواقف العلمية، ثم سيطرة الموقف المحافظ الجاهل بحقيقة الحضارة الغربية والرافض لها تبعًا لذلك، ومع أن شيخ الأزهر "حسن العطار" هو من شفع لـ"رفاعة الطهطاوي" أحد خريجي الأزهر لمرافقة أولى رحلات الابتعاث للغرب؛ فإن عمله كان عملًا فرديًا لا علاقة له بواقع الأزهر، والطهطاوي كانت رحلته لرعاية المبتعثين.
كانت حالة الضعف مخيمة على العالم الإِسلامي، وكان الجهل بطبيعة الغرب وخطورته وقوته المادية بالدرجة نفسها؛ مما يجعل الذهاب إلى هناك في