للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والمقصود من هذه الوقفة كشف بعض الدعاوى الزائفة من قبل المتغربين في عصرنا؛ حيث يتهمون علماء الإِسلام بأنهم حاربوا العلوم وأهلها، وربما وجدوا نصًا من عالم حول أحد الفلاسفة ممن اعتنى بالعلوم المنقولة عن أمم أخرى، فما فرّقوا بين الموقف من علمهِ الذي بين يديه وبين الموقف من عقيدته التي يسعى لنشرها وينتقص في الوقت نفسه من الإِسلام؛ فإن علماء الإِسلام قبلوا علمه النافع ورفضوا فلسفته الفاسدة، وهذا ابن القيم -رحمه الله- من علماء الإِسلام الكبار مع كثرة نقده للفلاسفة وأمثالهم كابن سينا مثلًا، لا يجد مانعًا من الاستفادة من جهوده الطبية، فينقل عنه ويستفيد من معلوماته (١).

إذًا، لم تكن الأمة الإِسلامية تجد حرجًا من الانتفاع بعلوم الأمم الأخرى، بل قامت بنقلها إلى العربية، ثم أعادت بناءها من جديد، وسأعرض الآن صورتها كما استقرت عليه بعد الترتيب ويتعلمها الكثير ضمن ما يمكن أن نطلق عليه بالمناهج التعليمية المدرسية كما عرضها ابن خلدون بصورة مجملة:

[العلوم السبعة]

سبق أن عرفنا أن ابن خلدون حصرها في سبعة علوم هي: "المنطق، وعلوم التعاليم الأربعة: الإرتماطيقي والهندسة والهيئة والموسيقى، ثم الطبيعيات والإلهيات"، وبما أن المنهج يسبق العلوم فقد كانت البداية بالمنطق، ورغم تلميحات ابن خلدون النقدية حول المنطق، فهي لم تصل إلى النقد الجذري والنافع الذي قدمه شيخ الإِسلام ابن تيمية في أول القرن الثامن الهجري، ومن باب التذكير بما ورد في الفصل الأول؛ فإن أوروبا في القرن التاسع/ الخامس عشر وما بعده بدأت تقتنع بأن أحد أسباب تخلفها العلمي هو ثباتها على المنطق الأرسطي، فبدأت محاولات تخلصها منه ونقدها له بعد قرون من نقد شيخ الإِسلام ابن تيمية. وإذا كان ابن خلدون قد يتسامح مع المنطق لما يرى فيه من خدمة للعلوم البشرية؛ فإن ابن تيمية قد أثبت بأن تلك العلوم لم تنتفع بالمنطق، وأن حذاق أهل العلوم تقدموا بعلومهم مع جهلهم بصناعة المنطق.

فإذا أخرجنا المنطق وأخرجنا معه الموسيقى والإلهيات وهي موطن نقد من


(١) انظر مثلًا: الجزء الرابع من زاد المعاد. . . .، لابن قيم الجوزية؛ حيث نجد أسماء الأطباء من مئل: "ابن سينا" و"إبقراط" و"جالنيوس" و"ابن كلدة" وغيرهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>