للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ابن خلدون، فيبقى معنا صورة العلوم النافعة أو الصحيحة وهي: "الإرتماطيقي والهندسة والهيئة والطبيعيات".

فأما الإرتماطيقي فهو علم العد أو الحساب، فهو أول أجزاء التعاليم وأثبتها، وفيها مسائل الجمع والطرح والضرب القسمة، وقد كانوا يحرصون أثناء تعلمه بعد معرفته على الآثار التربوية، لما يرون من أثرها في نشوء عقل مضيء غالبًا متدرب على الصواب، وأنه قد يغلب على صاحبه الصدق لما في الحساب من صحة المباني فيصير ذلك خلقًا للمتعلم (١).

يقول ابن تيمية: "ففي الإدمان على معرفة ذلك تعتاد النفس العلم الصحيح والقضايا الصحيحة الصادقة والقياس المستقيم فيكون في ذلك تصحيح الذهن والإدراك، وتعود النفس أنها تعلم الحق وتقوله، لنستعين بذلك على المعرفة التي هي فوق ذلك، ولهذا يقال: إنه كان أوائل الفلاسفة، أول ما يعلمون أولادهم العلم الرياضي، وكثير من شيوخهم في آخر أمره إنما يشتغل بذلك؛ لأنه لما نظر في طرقهم وطرق من عارضهم من أهل الكلام الباطل، ولم يجد في ذلك ما هو حق؛ أخذ يشغل نفسه بالعلم الرياضي، كما كان يتحرى مثل ذلك من هو من أئمة الفلاسفة كابن واصل وغيره. وكذلك كثير من متأخري أصحابنا يشتغلون وقت بطالتهم بعلم الفرائض والحساب والجبر والمقابلة والهندسة ونحو ذلك؛ لأن فيه تفريحًا للنفس، وهو علم صحيح لا يدخل فيه غلط. وقد جاء عن عمر بن الخطاب أنه قال: إذا لهوتم فالهوا بالرمي، وإذا تحدثتم فتحدثوا بالفرائض؛ فإن حساب الفرائض علم معقول مبني على أصل مشروع، فتبقى فيه رياضة العقل وحفظ الشرع. لكن ليس هو علمًا يطلب لذاته، ولا تكمل به النفس" (٢).

فهذا هو كلام علمائنا في مثل هذا النوع، مع حرصهم على الأبعاد التربوية المهمة فيه. وبالعودة لابن خلدون: فهو يذكر من هذا العلم أيضًا الجبر والمقابلة وإبداعات الخوارزمي، وأحسن شروحاته، وإضافات العلماء عليها في المشرق والمغرب، ومنها الانتفاع به في الحياة العملية في فرع المعاملات "وهو تصريف


(١) انظر: المقدمة ٣/ ١١٢٥ - ١١٢٨.
(٢) مجموع الفتاوى ٩/ ١٢٨ - ١٢٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>