للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يختلف كثيرًا عن اليهودي الآخر ماركس فيما قدماه لصالح اليهود تحت ستار العلم رغم التباين بينهما في الخطوات التي سارا عليها لتحقيق أهدافهما (١).

والإشكال الذي يواجه هذه الفرضية أن أغلب علماء اليهود يعلنون إلحادهم أو على الأقل يرفضون الصورة المعروفة من أديانهم ويتخذون موقفا لاأدريًا من قضية الإيمان بالله، فمنْ ذاك الذي يشك في إلحاد "ماركس" أو "فرويد" أو "دوركايم" أو توقف "أينشتين" عن إعلان موقفه الديني وتصريحه بموقفه اللاأدري؟ فكيف يمكن الجمع بين القول بأنهم ملحدون وفي الوقت نفسه يقعون تحت تأثير هويتهم اليهودية! فلنبحث القضية من خلال نموذجنا المقترح وهو "فرويد".

[ب- فرويد وظاهرة "اليهودي الملحد"]

المقصود بالإلحاد هنا إنكار وجود الله سبحانه وما يتبع ذلك من إنكار الدين والنبوات، وبمثل هذا المعنى يصعب الجمع بين وصفين من مثل "يهودي ملحد" أو "نصراني ملحد" أو ما شابههما، ومع صعوبة ذلك، فإننا نجد ذلك ممكنًا مع بعض اليهود في العصر الحديث مما يجعلنا أمام "حالة يهودية" (٢) بتعبير الدكتور "طلال عتريسي" تحتاج فعلًا إلى التأمل والبحث العميق.

أما إلحاد فرويد فيرجع إلى الجو الفكري السائد نهايات القرن التاسع عشر المبني من الناحية العلمية على نظرية داروين، ويرجع من الناحية الفلسفية إلى أشهر منظري الإلحاد في العصر الحديث وهو "فيورباخ"، ومصدرية فيورباخ لفرويد واضحة في كتابيه: "مستقبل الوهم" و"الطوطم والتابو".ويسعى كماركس إلى تجاوز الإلحاد الذاتي الشخصي ليتحول إلى داعية للإلحاد يسعى لنشره


(١) تؤكد مقالات وبحوث "فروم" -وهو العارف بماركس وفرويد- على أوجه التشابه بينهما، وذلك بعد تحليله لفكرهما، فبالرغم من اختلافهما في الظاهر إلا أنهما في الجوهر شيء واحد، ويمكننا أن نضيف على نتائج "فروم" أن بطانة هذا الجوهر الواحد هي بقايا يهودية يحاولان إخفائها. انظر مثلًا: كتاب ما وراء الأوهام، إريش فروم، ترجمة صلاح حاتم، الفصل الثاني: الأرضية المشتركة لنظريات ماركس وفرويد ص ٢١ وما بعدها. والفصل العاشر: المصير الآخر لنظريات ماركس وفرويد ص ١٣٥ وما بعدها، وانظر: الأخلاق عند فرويد، محمَّد العجيلي ص ٣٧.
(٢) انظر: تقديمه لكتاب فرويد والتراث الصوفي اليهودي، دافيد باكان ص ٩ ص ١٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>