للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في الطب الحديث لم تحرره من كل تصور فلسفي؛ لأن هذه النزعة المستندة إلى مقولة: "ما ليس تجريبيًا فهو ليس علميًا" إنما هي بدورها اتجاه فلسفي تعارضه مذاهب فلسفية أخرى متكافئة معه. . . . وتكشف عن بعض السلبيات في المسيرة الطبية الحديثة دون أن تبهرنا إنجازاتها إبهارًا يغشي أبصارنا" (١).

[أثر الأسس الفلسفية للممارسة الطبية الحديثة]

أولًا: أثر التجزئة والنظرة الجزئية لكل عضو، وتخصص طبيب لكل عضو، وذلك قد يكون له صلة بالرؤية المادية التي تنظر للمادة على أنها عناصر منفصلة يمكن دراستها وهي مفككة، بينما الإنسان كل مركب من أجزاء، وهنا ترابط انتبهت له الممارسة الطبية المعاصرة (٢)، فكيف إذا أضافت لذلك النظر للإنسان بعيدًا عن حاجته للدين.

ثانيًا: ومن آثارها الفصل بين الجسم والنفس، كأنهما كائنان غريبان في ذات واحدة وكيان واحد، وقد تركت أثرًا بالغًا على الطب، حتى غدا لفظ الطب البشري مرادفًا للطب الجسمي دون اعتبار للنفس، وقد عزز ذلك علم النفس الفسيولوجي، وكما يقول كارليل: لقد دفعت الحضارة الأوروبية ثمن ذلك: انتصار العلم وانحلال الإنسان. بل قد كشف الطب المعاصر أثر النفس على الجسد (٣)، بل الأثر المعنوي الإيماني وفي ذلك يقول كارليل: "في جميع البلدان والأزمان آمن الناس بالشفاء من المرض في أماكن مقدسة، غير أن تيار العلم في القرن الثالث عشر/ التاسع عشر جعل هذا الإيمان يختفي اختفاء تامًا؛ لأنه في نظر العلم مستحيل الحدوث، غير أن الملاحظات خلال الخمسين سنة الأخيرة أضعفت الإصرار على هذا الموقف. إنه في خلال فترة وجيزة تلتئم الجروح بأسرع من المعدل المقرر لها وتختفي الأعراض الباثولوجية ويسترد المريض عافيته، هذه الظواهر تدل على الأهمية البالغة للنشاط الروحي الذي أهمل الأطباء أمره إهمالًا تامًا (٤).


(١) المرجع السابق ص ٤٥.
(٢) في فلسفة الطب ص ٤٧، وانظر: الإنسان ذلك المجهول، ألكسيس كاريل ص ٦٠، ترجمة شفيق فريد.
(٣) انظر: المرجع السابق ص ٤٨.
(٤) الإنسان ذلك المجهول، ألكسيس كاريل ص ١٧١.

<<  <  ج: ص:  >  >>