سبق الحديث عن الأجواء الممهدة لما اصطلح عليه فيما بعد "الثورة العلمية"، ورأينا صورة من التفاعلات الاجتماعية داخل المجتمع الأوروبي مع ما صاحب ذلك من تأثير بارز للحضارة الإسلامية وعلوم المسلمين في زيادة وتيرة الحراك الاجتماعي الأوروبي.
وبما سبق يصل المجتمع الأوروبي إلى حافة نقلة نوعية كبيرة أُطلق عليها فيما بعد "الثورة العلمية"، ونظرًا لأهمية هذه الفقرة بالذات للبحث، فسأقف معها وقفة مطولة نسبيًا لأعيد تحليل هذا الحدث الكبير وفق رؤية نقدية إسلامية. وترجع أهمية هذا الحدث -الثورة العلمية- لظهور أول نظرية جديدة تأخذ شعبيةً كبيرة، وتُحدث صراعًا كبيرًا، وتعيد تشكيل خريطة الفكر الغربي كاملًا، وما تبع ذلك من تطورات على مستوى المجتمع الغربي ككل، وستصبح هذه النظرية نموذجًا لما يظهر بعدها من نظريات في صور الصراع المتوقعة مع بروز نظرية جديدة، والآثار المترتبة على ذلك، والمناهج المصاحبة لإدارة ذلك الصراع، والرؤى المقترحة حوله.
ورغم توالي النظريات العلمية في الظهور بعد حدوث الثورة العلمية؛ فإن الأحداث المصاحبة لظهور كل نظريةٍ جديدة لا تختلف كثيرًا عن صورة الأحداث المصاحبة لأول نظرية. ويزيد في أهمية دراسة ذلك الحدث بأن امتداد هذا الصراع ظهر في كل بلد دخلته تلك النظرية -أو ما بعدها من نظريات- بما في ذلك بلاد المسلمين مع بداية احتكاكنا بالغرب في القرنين الأخيرين.
وتحليل هذا الحدث المهم يسهم في تفسير ما يصاحب بروز النظريات العلمية من مشكلات في أي مكان ظهرت فيه، ويساعد في رسم الموقف السليم مع أي نظرية ظهرت أو ستظهر.