التاريخ القريب مليء بالأمثلة والشواهد على مثل هذا النوع من الانحراف بالعلم، إما بتصويره وكأنه بمثل لهذا المذهب أو ذاك، أو توظيفه في ما يخدم هذا المذهب أو ذاك، وسأذكر بعض الأمثلة الموضحة لمقصودي من الانحراف العلمي أو الانحراف بالعلم، والتفريق بينه وبين التقدم العلمي.
بعد نجاح العلمانية في فرض وجودها ورؤيتها في المجتمع الغربي؛ قامت بتوجيه المجتمع بما يخدم تلك الرؤية، وانصرفت كثيرٌ من الفئات عن العناية بالروح إلى العناية بالجسد فقط، وأغفلت الآخرة واهتمت بالدنيا، نسيت الخالق واهتمت بالمخلوق في صورته الحسية. ثم تطور الوضع العلماني مع التصور المادي الذي ساد في القرن الثالث عشر/ التاسع عشر، فتحول ذلك النسيان إلى جحود وإلحاد صريح، ثم بدأت تلك الفئات في الاستدلال بكل دليل على أنه لا حياة ولا حقيقة إلا هذه المادة، وكان العلم أحد أهم ما يمكن استغلاله لإثبات صحة تلك الدعوى، ومن بين الأمثلة:
المثال الأول: إنسان بِلتْداون:
كانت التيارات المادية قد ادعت بأنها عالجت مشكلة الوجود المادي في ظل النظرية النيوتنية العلمية، فهم يدعون أن العلم قد أثبت أن الوجود المادي يعتمد على ذاته بقوانينه الخاصة في الحركة، ومن ثمّ لا حاجة لنا في البحث عن خالق ومدبر وحافظ لهذا الكون، وبالرغم من اصطدامهم بمشكلة حقيقية هي: كيف وجد هذا العالم! ومن وضع فيه القوة! فقد فسّر بعضهم ذلك بالتأليه السببي، ومفاده أن الله خلق العالم ثم تركه، إلا أنه كان تفسيرًا ناقصًا من أجل