للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الهروب من الحقيقة، وعندما وجده المتأخرون ملزمًا لهم بالاعتراف بالخالق سبحانه؛ فقد تغافلوا عن مثل هذا السؤال، واكتفوا بإعلان الإلحاد المطلق دون تقديم جواب للسؤال المهم.

عندها جابهتهم مشكلة أكثر تعقيدًا لتبقى حجة الله قائمة على كل ملحد، كانت المشكلة هي ظاهرة وجود الحياة في العالم المادي وظهور أعظم الكائنات الحية وهو الإنسان، حيث تمثل تحديًا للماديين الملحدين لا يمكنهم الجواب عنه إلا بالإقرار بوجود الرب سبحانه. بقي هذا الإشكال قائمًا إلى أن جاء "داروين" بنظريته في التطور، فالحياة كما يزعم خرجت من عالم المادة صدفة، ثم تطورت إلى أن تمثلت في صورة الإنسان، وفق قوانين تشابه قوانين نيوتن في عالمه المادي، فوجدها الملحدون فرصة للزعم بأن العالم المادي وعالم الحياة لا موجد لهما إلا المادة، وأن العلم كما دلّ على وجود العالم المادي باعتمادهم الفاسد على نظرية نيوتن، فكذلك العلم الطبيعي دلّ على وجود الحياة بالاعتماد الفاسد على نظرية داروين.

ومع أن الانحراف بنظرية نيوتن، أو استغلال نظرية التطور الدارونية في إثبات المادية وإنكار الربوبية والغيب والدين والروح هي صورة خبيثة من الانحراف بالعلم؛ إلا أن هناك أمثلة تفصيلية تدل إلى مدى ما يصل إليه الانحراف بالعلم، حيث كان التيار المادي مهمومًا بإثبات صحة هذه النظرية الدارونية لما تعنيه من زلزلة لكل الأديان والعقائد.

ومن بين أشهر الأمثلة لهذا الانحراف قصة أحد الأدلة المكذوبة للدفاع عن المادية التطورية وروحها الإلحادية، فمن أدلتهم على وجود التطور "إنسان بلتْداون" ليكشف لنا صورة شنيعة من صور الانحراف بالعلم، ففي سنة (١٩١٢ م) أعلن أحد علماء الحفريات اكتشافه لعظمة فك وجزء من جمجمة، وكانت عظمة الفك أشبه بفك القرد بينما كانت الأسنان والجمجمة أشبه بأسنان وجمجمة الإنسان، وسميت هذه العينة بـ "إنسان بلتْداون" نسبة إلى المكان الذي اكتشُفت فيه، وزعم أن عمرها خمسمئة ألف سنة، فأخذت شعبية كبيرة وعرضت في العديد من المتاحف بوصفها دليلًا قاطعًا على تطور الإنسان، "ولأكثر من أربعين سنة كُتب الكثير من المقالات العلمية عن "إنسان بلتداون"، كما أُعِدّت له العديد من التأويلات والرسوم، وقُدّمت الحفرية بوصفها دليلًا مهمًا على تطور الإنسان،

<<  <  ج: ص:  >  >>