وكُتب ما لا يقل عن خمسمئة رسالة دكتوراه حول الموضوع"، ولقيت العينة اهتمامًا كبيرًا.
وفي سنة (١٩٤٩ م) حاول أحد المختصين بالحفريات تجريب طريقة جديدة "اختبار الفلورين" لتحديد تاريخ الحفرية، فأجرى اختباره على العينة، وكانت النتيجة مذهلة، فقد اكتشف أن عظمة الفك لا تحتوي على الفلورين، مما يدل على أنها مدفونة في الأرض من بضع سنين، أما الجمجمة فقد احتوت على مقدار ضئيل من الفلورين التي تبين أن عمرها لا يتجاوز بضعة آلاف من السنين. وتتابع البحث حولها، وتبين أن هناك عملية تزوير لتلك العينة، ففي سنة (١٩٥٣ م) "تم الكشف للجمهور عن هذا التزوير؛ إذ كانت الجمجمة تخص إنسانًا عمره نحو خمسمئة سنة، في حين كانت عظمة الفك السفلى تخص قردًا مات مؤخرًا! وقد تم ترتيب الأسنان على نحو خاص في شكل صف، ثم أُضيفت إلى الفك وتم حشو المفاصل لكي يبدو الفك شبيهًا بفك الإنسان، وبعد ذلك تم تلطيخ كل هذه القطع بثاني كرومات البوتاسيوم لإكسابها مظهرًا عتيقًا، ثم بدأت هذه اللطخ بالاختفاء عند غمسها في الحمض"، وقد كان أحد أعضاء فريق كشف هذا التزييف يستغرب أن عملية التزييف كانت "واضحة جدًا لدرجة تجعل المرء يتساءل: كيف لم يتم الانتباه إليها من قبل؟! " وكأنهم تعاموا عنها، وفي أعقاب هذه الفضيحة تمّ إخراج العينة من المتحف البريطاني بعدما عرضت لمدّة تزيد على أربعين سنة (١).
هذا المثال عن الانحراف بالعلم له دلالاته العميقة، فهو يُظهر كيف يتعامى تيار عريض عن عملية التحقق، ويظهر كيف انصرف أعضاؤه مباشرة إلى استغلال شاهدٍ مزور واستثماره في إثبات النظرية، ومن ثمّ خدمة التصور المادي حول وجود الحياة، ويظهر حاجتهم ولو لأكذوبة ليعلقوا عليها رغباتهم، وكيف انصرفت حتى معاقل العلم الأساسية للعناية بهذا الكشف العظيم المزوّر، فكُتبت فيه المقالات المتخصصة، وأعدت حوله أطروحات علمية عليا، ثم تأتي اليد
(١) المثال منقول بتصرف بسيط عن كتاب: خديعة التطور، هارون يحيى ص ٣٦ - ٤٦، وفي الكتاب أمثلة كثيرة من هذا النوع يمكن الرجوع إليها، وانظر مثالًا آخر لعالم آخر: "إرنست هيكل" قام بتزوير آخر، فلسفة العلوم، د. بدوي عبد الفتاح ص ٩٦.