للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عندما يقع الانبهار بالمادة المترجمة غير النافعة فتؤثر في المجتمع وتعطل الاهتمام بالمفيد، مع العلم بأن المفيد قد يكون عسيرًا وغير محبوب للنفوس، وعلى سبيل المثال فإن النفوس تستريح إلى الآداب والفنون وتستلذ بها، وربما تتأثر بها بخلاف العلوم الرياضية والهندسية والفيزيائية، فهي صعبة وعسيرة ولا تجلب المتعة إلا لقليل من الناس ولكنها هي المفيدة، أما الأولى فهي ممتعة ومؤثرة ولكنها تشغل أمتنا عن المهم، وربما تؤثر فيهم وتنشئ فيهم من الشبهات ما يعطل المسار الصحيح للأمة. والسؤال: هل سلمت تلك التجربة من الانزلاق في خطر المؤثر واكتفت بالمفيد؟ الباحث يعرف أنها تجربة خلطت هذا بذاك، فترجمت المفيد ولكنها لم تواصل فيه، وفتحت بابها لمشاكل المؤثر (١)، وللأسف فهو ما نجح في باب الترجمة إلى اليوم، وإلى اليوم يندر أن تجد كتابًا طبيًا مترجمًا، بينما ما إن تنزل رواية غربية؛ إلا وتترجم للعربية.

[و- المطبعة وما ارتبط بها من ظهور الصحافة العلمية والفكرية]

أول من عرّف أهل مصر بالمطبعة هو "نابليون" الذي جلب معه مطبعة تنشر بياناته، ولا شك أن بلدًا فيها مثل الأزهر قد تأخرت كثيرًا في الاستفادة من المطبعة، وقد خرج نابليون وجاء بعده محمَّد علي وكان من أهم مشروعاته إيجاد المطبعة.

تُيسر المطبعة انتشار الكتاب، ومن ثم انتشار المعرفة، وإذا عرفنا حركة المدارس والترجمة عرفنا أيضًا أهمية وجود المطبعة, ولكن كانت الصحافة من أهم ما ارتبط بالمطبعة، فإذا كان جمهور الكتاب محدودًا؛ فإن الصحافة لعامة الجمهور فتكون دائرتها أوسع.

كانت الصحيفة الرسمية والوحيدة هي: "الوقائع المصرية"، وما كانت تهتم بالأمور العلمية، أما أول صحيفة رسمية توجهت لهذا المجال فهي مجلة: "روضة المدارس"، ففي سنة (١٢٨٧ هـ -١٨٧٠ م) قرر "ديوان المدارس" وناظره "علي مبارك" إصدار مجلة فكرية وثقافية وأدبية يرأسها "رفاعة الطهطاوي"، قسمها الطهطاوي إلى أقسام، ويرأس كل قسم أكبر المتخصصين فيه، ومن أولئك:


(١) هناك نقد شديد ورد في مجلة المنار عن الترجمة وفشلها، انظر: آثار محمَّد علي في مصر، مجلة المنار ٥/ ١٧٥ (سنة ١٣٢٠ هـ -١٩٠٢ م).

<<  <  ج: ص:  >  >>