جاءت رسالة الإِسلام بالخير للبشرية، فعاد الدين الحق وظهر التوحيد في الأرض وقامت شريعة السماء في حياة الناس، ومن بين ما حملته رسالة الإِسلام واعتنت به أيما عناية: موضوع العلم، وأهمية العلم المصحوب بالعمل النافع، والدعوة للتفكر والنظر والعقل والبصيرة والتعلم وعدم التقليد (١)، ويأتي في أعلى درجاتها تحقيق الجانب الديني؛ فإذا صلح الدين صلح ما سواه. لهذا يصح أن يقال عن الأمة المسلمة: إنها أمة علم، وقد شعر أهل الإِسلام بذلك فتحولوا إلى أمة علم، وكوّنوا تراثًا علميًا لا مثيل له، وكان في رأس ما اهتموا به من علوم: العلوم الدينية فأبدعوا فيها إبداعًا عظيمًا، مما يجعل الأمة المسلمة قادرة في كل زمن على إيصال دين الإِسلام للناس، وهو الواجب الأهم على الأمة المسلمة.
وأمة أبدعت كل ذلك الإبداع في العلوم الدينية، وخرجت من كونها أمة أمية إلى أمة العلم والعلماء لا يصعب عليها الإبداع في أي باب من أبواب العلوم؛ لأن القضية الجوهرية هي قدرة تلك الأمة على إبداع العلم ذاته، وإبداع مناهجه، وأمة تستطيع إبداع جانب من جوانب العلم لا يصعب عليها الجانب الآخر. إلا أن الأمة المسلمة كانت في أول أمرها مهمومة بتقوية وجود الإِسلام ونشر علومه بين الناس؛ ولذا كان أهم ما يُعتنى به في القرون الأولى هو تشييد العلوم الإِسلامية، أما العلوم الدنيوية فهي متروكة لحاجات الناس وحاجة الدولة المسلمة، كما أن أمرها يترك لمن يرغب الاشتغال بها دون حظر عليه، بل يُحث الراغب فيها على نفع الناس، وقد وجد أهل هذه العلوم في ظل الدولة الإِسلامية دعمًا لا مثيل له، فالإِسلام يدعو للعلم النافع ويحث أهله على تحصيل ما ينفعهم.
لقد أصبح مفهوم العلم أحد أهم مكونات الأمة الإِسلامية، وقد أعطى الإِسلام للعلماء درجة عالية ومكانة رفيعة لا يصلها أحد من الناس، وقد شجع
(١) انظر مثلًا حول دعوة القرآن لذلك في: القرآن والنظر العقلي، فاطمة إسماعيل، الفصل الأول والثاني، وانظر: منهجية التفكير العلمي في القرآن الكريم وتطبيقاتها التربوية، د. خليل الحدري، الفصل الأول والثاني والرابع، وانظر: التفكير فريضة إسلامية، عباس العقاد ص ٣ - ٢٥.