للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على التعلم وحث عليه بصور متنوعة من أساليب الترغيب والترهيب، وحمّل العلماء مسؤوليات كبيرة.

يشعر المسلم بأن أول الواجبات عليه هي أمور لا تتحقق إلا بالعلم والتعلم؛ ولذا تجد بعض كتب السنة المشهورة تبدأ كتبها بأبواب عن العلم، فهذا صحيح البخاري يُفتتح بكتاب العلم بعد كتابي بدء الوحي والإيمان (١)، مما يجعل كل مسلم يشعر بأن أهم أعماله تنطلق من العلم والتعلم.

ليس المقصود هنا بيان ما العلم الذي يُراد (٢)، وإنما المقصود بأن العلم قد أصبح له شأن في الأمة الإِسلامية، ولمعرفة ذلك علينا أن ننظر في حال العربي في الجاهلية في مكة أو الجزيرة: ماذا كان يعني له العلم؟ وما الجهد الذي كان يبذله لتحقيق ذلك المفهوم؟ ثم نقارن ذلك بحال المسلم والبيت المسلم والأسرة المسلمة والأمة الإِسلامية، عندها نجد الفرق الكبير. فهاهي أغلب الأسر توجه أبناءها للعلم، وتحتسب فقدهم والمال المنفق عليهم في سبيل أن يكونوا علماء، ودخل العلم مشروعًا أساسيًا للأسرة المسلمة، ربما تفقد الزوجة زوجها وما معها إلا الولد فتضحي برغبتها حول بقائه قريبًا منها وتبعثه لمجالس العلم، وربما تنفق عليه كل ما تملك، وتتحمل بُعده وسفره وغيبته وغربته من أجل أن يتعلم. وإذا كان هذا في واقع الأسرة الصغيرة، فهو أيضًا حال الدولة المسلمة، وهو أيضًا الهمّ الأكبر عند ورثة الأنبياء من العلماء الذين نذروا حياتهم للعلم تعلمًا وتعليمًا.

ولنقارن حال العرب قبل الإِسلام في الجزيرة حول ما قدموه من العلم بحال الأمة المسلمة بعد ذلك: كم كتابًا ورّثوه -غير تلك القصائد-؟ كم من العلماء عرف منهم؟ كم من المعاهد والحلقات العلمية؟ كم من العلوم؟ كم


(١) انظر: فتح الباري. . . .، لابن حجر ١/ ١٧٠، وفي كتاب العلم ثلاثة وخمسون بابًا منها: (فضل العلم)، (العلم قبل القول والعمل)، (الفهم في العلم)، (الخروج في طلب العلم)، (كتابة العلم)، (السمر في العلم)، (حفظ العلم) وغيرها من الأبواب ذات الدلالات المهمة.
(٢) ففي التمهيد ما يبين ذلك كما أن في الفصل الخامس مزيد بيان عند ذكر الاتجاه السلفي، وقد أكد العلماء فيه أن أصل العلم المقصود هو العلم بالله، ويدخل في العلم المحمود كل علم صحيح ونافع من العلوم الدنيوية.

<<  <  ج: ص:  >  >>