للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أقل ما ينتظر من وزارة المعارف في بلد دينه الرسمي الإِسلام وجمهرة أهله العظمى من المسلمين أن تخدم أحكام الإِسلام ونظمه وتقاليده، فلا تحاربه مع المحاربين ولا تخرج عليه مع الخارجين، وهل هناك ظلم أشنع من أن يربى أبناء المسلمين على ما ينافي الإِسلام رغم أنوف آبائهم المسلمين" (١)، مما يدل على أن هذا النظام لم يُدرس العلوم البحتة التي لا تمس الدين وقيم الإِسلام، وإنما يدرس معها ما ينافي الإِسلام، وقد رأينا اعتراف أحد طلاب تلك المدارس -أحمد تيمور- حول تزعزع دينه بين أسوار المدرسة.

لم تنقشع هذه السحابة إلا بعد ظهور الصحوة الإِسلامية بعلمائها ومفكريها، فأظهروا حقيقة التعليم الاستعماري وخططه في قتل معنويات الأمة، وإعادة تذكير المسلمين بحقيقة هذه الأمة العالمة التي برعت في العلوم النقلية والعقلية، وأن الغرب ذاته قد تتلمذ عليها قرونًا طويلة، وأن مرور الأمة بضعف في مرحلةٍ ما لا يكون مبررًا للوقوع في الهزيمة النفسية والاستسلام، بل علينا معاودة النهوض من جديد.

وهذه الآفة وإن خفت الآن فإنها في وقتها كانت من أخطر ما فتك بالمسلمين، مما جعلهم يسلمون مقاليد العلوم الحديثة للمستعمرين، وتركهم الدخول في مجالها بحجة عدم قدرتنا بلوغ ما بلغوه، فتُركت بأيديهم وبأيدي من أثّروا فيه من المسلمين بعد رحيلهم.

[٤ - تحول المؤسسة العلمية في منبع لتوليد التيارات التغريبية]

إذا رجعنا للتيارات التغريبية بكل مسمياتها تجدها في الغالب قد خرجت من هذه المنظومة العلمية الاستعمارية، فأغلب قادة الفكر التغريبي ممن درس في معاهد رعاها الاستعمار، ولاسيما معاهدها العليا، "الجامعة الأمريكية" في الشام، و"كلية فكتوريا" في مصر (٢)، فضلًا عن المؤسسات الإِسلامية التي تولى الاستعمار إدارتها.

والعجيب أن هذه المنظومة العلمية وقت الاستعمار لم تخرج لنا علماء في


(١) موسوعة الجندي (المنهج الغربي) ٩/ ٢٦٩ - ٢٧٠، وانظر: اعتراف "أحمد تيمور" السابق في فقرة الأزهر.
(٢) انظر حول كلية "فكتوريا": الإِسلام والحضارة الغربية، د. محمَّد حسين ص ٤٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>