وأوروبا حديثًا في ميدان العلوم والصناعة والإبداع، فإذا جاء إلى المسلمين صورهم في أسطر قليلة بكل مذمة ونقص تصريحًا أو تلميحًا. وعندما يرضع الطفل من مراحله الدراسية الأولى هذه المعاني ويكبر معها تتأثر قناعاته بمكانة أمته، ويصدق أن الغرب هم منبع التقدم والعلوم، ويسهل عليه فيما بعد الاستسلام للغرب والانقياد لتوجيهاته.
لقد صنع النظام التعليمي الاستعماري مناهج للدراسة تؤهل الطلاب للحالة السابقة، طلاب ضعفاء في معرفتهم للإسلام وحضارته أقوياء في معرفة لغة الغازي وثقافته وفنونه وتاريخه، ولذا يصعب على هؤلاء الطلاب التواصل مع علومهم الإِسلامية إن لم يرغبوا عنها ويزهدوا فيها ويخجلون حتى من تعلمها، فلا يكون هذا الجيل قادرًا على التفريق بين الموافق لدينه والمخالف له فضلًا عن قدرته في تأصيل هذه العلوم وتبيئتها في المحيط الإِسلامي. وقد كانت هناك كتب فقيرة محدودة قبل وصول الاستعمار في مصر وضعها بعض الفضلاء تعطي الطلاب تعريفًا بإسلامهم وحضارته في المدارس العصرية، فجاء الاستعمار ومنع تدريس حتى هذه الكتب التي تربط الطلاب بثقافتهم وهويتهم، فقد "أبطل دنلوب مختلف الكتب العربية الهامة التي كان قد ألفها علي مبارك وعبد الله فكري قبل الاحتلال؛ لأنها تتحدث عن الإِسلام والأخلاق الإِسلامية، كما رفع كتب عبد العزيز جاويش ونصوصه واستبدلها بكتب تحمل خرافات لافونتين. . . . كما ألغى الباب الوارد في مناهج التعليم تحت عنوان العقائد والعبادات الإِسلامية. ولما عورض في هذا العمل قال: إن كتب المطالعة يجب أن تكون مجردة خالية من كل ما له مساس بالدين"(١).
وبلغ الأمر ذروته من هذه المدرسة ومناهجها وفلسفتها وعملها لدرجة تصريح جمعية الشبان المسلمين في تلك المرحلة بقولها: "إن الوالد المسلم ليلتفت حوله فلا يجد مدرسة علمية واحدة يأمن فيها على دين ابنه او ابنته، وهو موقف شاذ وغريب فإن الطوائف الأخرى لها مدارسها الخاصة. أما الجمهرة المسلمة فقد كانت مدارسها هي مدارس الدولة، والآن حين تبدلت مدارس الدولة غير ما يبتغي المسلمون صار ضائعًا وأصبح الوالد المسلم في حيرة. إن