معقدة حولها خلافات فلسفية ومنهجية كبيرة، وذات باطن غير خفي يهدف إلى علمنة العلم وإقصاء الدين وإبعاده، قد يُركّز العقلاء على الظاهر ويعترفون بصعوبة الفصل بين الذاتي والموضوعي، بينما يُركز التيارات العلمانية الكبرى في الفكر الغربي وأتباعها من المتغربين في البلاد الإِسلامية على الباطن، فيُصبح التركيز على إبعاد الدين والوحي شرطًا -كما يزعمون- لوجود معرفة علمية حقيقية. ومن ذلك تصوير الإِسلام عند المتغربين وكأنه عدو للمعرفة العلمية، فيا عجبًا كيف يُصوّر الإِسلام وكأنه عدوّ للعلم والمعرفة الصحيحة؟ وهو الذي ابتدأ بـ"اقرأ" ورفع من قيمة الحق والصدق وحرص على رفع قيمة العلم والعقل والنظر والتفكر والتدبر! ولن يجد العالم مثل المسلم في حرصه على الحق والتضحية في سبيله بكل نفيس بسبب شدّة وضوح ذلك في دينه.
والنتيجة التي نصل إليها أن الموضوعية من المصطلحات المجملة، والصحيح منه قد دلّ الإِسلام على عناصره بأجمل طريقة، والأيديولوجي منه، والضار لابد أن نحذر منه، وأن ننتبه له وأن لا نسمح لتيارات التغريب أن تُقحمه في كتب المناهج الفكرية والعلمية وفلسفات العلم وتصوره كمسلَّمة لتقدم العلم وسلامة المنهج العلمي بينما هو طريقة لإقصاء الدين.
[استبعاد جانب القيم بحجة الموضوعية]
لم تعد الموضوعية في المجال العلمي تعني عدم تأثير الميل الديني الشخصي على الحقيقة فقط، بل تعني إبعاد القيم عن مجال العلم؛ بحجة أن القيم تؤثر على النشاط العلمي.
إن الموضوعية العلمانية تطلب عدم وجود قيم في مجال العلوم الاجتماعية المتعلقة بالإنسان رغم أهميتها. وتطلب عدم وجود مصدر غير حسي في مجال العلوم، مع أنه حتى في باب العلوم الطبيعية في عصرها الراهن لم يعد يُكتفى بالجانب الحسي، ولا فلسفة العلم المعاصرة تقبل بإمكانية معرفة حسية موضوعية خارجية دون تدخل الذاتي فيها. وتطلب أخيرًا بإيجاد معايير متحيّزة ضد الديني في المناهج العلمية، سواء تعلقت بالعلوم الاجتماعية أو بالعلوم الطبيعية، لتكشف عن بعد أيديولوجي تُغذّيه التيارات المادية والإلحادية المزدهرة في القرن الثالث عشر/ التاسع عشر وما بعده رغم بوادر تراجعها بعد الثورة التي حصلت في الفيزياء المعاصرة.