للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يقول طه عبد الرحمن: "لقد قام النمط المعرفي الحديث منذ نشأته في مطلع القرن السابع عشر (١١ هـ) على أصلين اثنين يقضيان بقطع الصلة بصنفين من الاعتبارات التي يأخذ بها كل متدين.

أما الأصل الأول، فيمكن أن نصوغه كما يلي: "لا أخلاق في العلم"؛ مقتضى هذا الأصل أن لكل واحد -أو جماعة- أن يضع بنيان نظريته بحسب ما شاء من القرارات المعرفية والإجراءات المنهجية ما عدا أن يجعل فيها مكانًا للاعتبارات التي تصدر عن التسليم بقيم معنوية مخصوصة أو عن العمل بقواعد سلوكية معينة. . . . لقد تفرع على الأصل الأول الذي يقول بفصل العلم عن الأخلاق المبدآن المشهوران:

أ- مبدأ الموضوعية، وهو يقضي بأن يكون النظر العلمي مستقلًا كل الاستقلال عن آثار الذات الإنسانية؛ ولما كان هذا الاستقلال ادعاء بعيد التحقق، عسير الإثبات، اخترنا أن نسمي هذا المبدأ بـ "مبدأ الموضوعية الجامدة"، تمييزًا له عن مبدأ آخر يأخذ بموضوعية غير جامدة أو قل "حرِكة" "بكسر الراء"، إذ يقتضي أن تشترك قيم الذات الداخلية مع مدركات النظر الخارجية في تأسيس المعرفة تأسيسًا موجَّهًا "بفتح الواو المشددة" ومقوَّمًا "بفتح الواو المشددة"، لا تأسيسًا مجردًا" (١).

أقف مع شرط الموضوعية في العلوم الاجتماعية القائم على استبعاد جانب القيم في أثناء البحث الاجتماعي، ولاسيّما في العلمين المهمين "علم النفس وعلم الاجتماع"، وفي ذلك يقول أمزيان: "حيث ارتبط قيام الاتجاه الوضعي بالدعوة إلى تحقيق الموضوعية العلمية في مجال الإنسانيات تمامًا كما تم تحقيقها في مجال الطبيعيات، واعتبرت الوضعية ابتداء أن ارتباط العلم بالأخلاق والقيم من مخلفات القرون الوسطى ومن سمات الفلسفات الميتافيزيقية التي ظلت منشغلة في تحديد الأهداف والمثل وما ينبغي أن يكون عليه الواقع الاجتماعي بدل الاهتمام بالواقع نفسه في لحظته الراهنة" (٢)، ونسجل ابتداء أنها مشكلة


(١) سؤال الأخلاق، طه عبد الرحمن ص ٩٢ - ٩٣. أما الأصل الثاني فهو لا غيب في العلم.
(٢) تلازم الموضوعية والمعيارية في الميثودولوجيا الإِسلامية ص ٨٥، من كتاب: قضايا المنهجية في العلوم الإِسلامية والاجتماعية.

<<  <  ج: ص:  >  >>