للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مفتعلة أفرزتها ظروف شاذة. . . . وتعبر عن هموم الغرب. . . . لا يصح تحويلها لمشكلة كونية (١). . . .، ومن ثم تعميمها على كل البيئات العلمية في الحضارات المختلفة، ولكن طائفة من المتغربين أو ممن تأثر بالتغريب قد انساق خلفها. فهذا -مثلًا- باحث اجتماعي يقول: "ويتميز منهج علم الاجتماع الأخلاقي بالتزام الموضوعية بالتجرد والنزاهة. . . .، حين يستبعد الباحث كل نزعة ذاتية أو عاطفة دينية حتى يدرس كل ما عنّ له من ظواهر خلقية يجمعها في حرص، ويصفها في أمانة ويدرسها في موضوعية خالصة. . . . بعد أن يخلع رداء العقيدة، وبعد أن يتجرد عن كل قيمة شخصية مسبقة" (٢)، وهذا يندرج في السياق العلماني لعلم الاجتماع الحديث، وكما يقول المفكر محمَّد أمزيان عنه: فصل رواده الأوائل "بين البحث الاجتماعي وبين مجال القيم. . . . فقد كانت القيم تمثل في نظر علماء الاجتماع أخطر عائق في سبيل تقدم البحث العلمي، حيث اعتقدوا بأن البحث العلمي لابدّ وأن يكون بحثًا محايدًا، ومجردًا من كل القيم والمعايير الأخلاقية. . . . الالتزام الأخلاقي أو النظرة المعيارية في نظرهم تعبر عن ميولات إنسانية ذاتية، وعلى الباحث أن يتخلى -إذا أراد أن يكون نزيهًا وعلميًا وموضوعيًا- عن كل القيم والأفكار التي يعتنقها، وكل التزام قيمي يعتبر خروجًا عن المنهج العلمي وخروجًا عن علم الاجتماع. هذه القناعة المنهجية التي نادى بها علماء الاجتماع، ستنتقل بشكل آلي إلى القائمين على تدريس المواد الاجتماعية في الجامعات العربية والإِسلامية وذلك من موقع التقليد لما هو سائد في الغرب" (٣).

ثم ذكر نماذج من ذلك، وذكر بعدها صورًا جديدة في الغرب انقلبت على التصور الوضعي القديم بعد أن رأت فشل الأوائل في تطبيقه، بل تقمصوا قيمًا علمانية في أثناء نشاطهم العلمي تعارض الموضوعية. وقد أبدع المؤلف في نقص هذه الخطيئة المنهجية، فالربط بين البحث العلمي والقيم الأخلاقية أكثر نفعًا


(١) انظر: المرجع السابق ص ٥٨.
(٢) قضايا علم الأخلاق، دراسة نقدية من زاوية علم الاجتماع، د. قباري إسماعيل ص ٢٠.
(٣) منهج البحث الاجتماعي بين الوضعية والمعيارية، محمَّد أمزيان ص ٣٣٥ - ٣٣٦، وانظر له أيضًا: تلازم الموضوعية والمعيارية في الميثودولوجيا الإِسلامية ص ٨٥ وما بعدها، من كتاب قضايا المنهجية في العلوم الإِسلامية والاجتماعية.

<<  <  ج: ص:  >  >>