للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الذي من زاغ عنه خسر خسرانًا كبيرًا. والأمة كلما اعتزت بهذا المصدر، وقدمته على غيره، وجعلته مهيمنًا على كل ما سواه، وعمرت الأرض كما أمر ربنا سبحانه، تحقق لها الاستخلاف والتمكين. ولذا كان الصراع مع الأعداء هو حول المصدر، حول منبع القوة والمعرفة والدين، وحول ما يجلب لها الاستخلاف والتمكين.

لقد قامت تيارات التغريب تحت دعوى التأثر بالعلم بعملية زحزحة للوحي إلى مصادر أخرى يزعمون فيها الأولوية، وقد تأثر بهم طائفة من الناس، وأهم ما يلحظه الباحث من صور الزحزحة: القول بترك الوحي مطلقًا عند الغلاة، أو القول بالتوفيق عن طريق رمي الوحي في باب الوجدان، أو جعل النظرية العلمية في مقام النص.

[١ - مذهب غلاة المتغربين ودعوتهم لإقصاء الوحي]

حيث يرون الانتقال من مصدرية الوحي إلى مصدرية العلم زعموا وإلى "العقل والحس"، ويغلب على هذا الصنف اتجاهان:

الأول: وهم من يقولون -تبعًا لـ"كونت" الوضعي- بأن الإنسانية مرّت بثلاث مراحل: المرحلة الدينية ثم الميتافيزيقية ثم الوضعية: العلمية، ولابد من المرور بهذه المراحل، وكل مرحلة في وقتها تعتبر الأنسب لوقتها، فالمرحلة الدينية مناسبة لأهل تلك المرحلة وهكذا في الباقية. والآن حان وقت ترك الدين والميتافيزيقا والاكتفاء بالعلم الذي حقق تقدمه ونفعه، وهذا يغلب على الوضعيين والمتغربين الأوائل (١).

والثاني: وهم المتأثرون بالمذاهب المادية الثورية الجذرية التي ترى بأن الدين والميتافيزيقا وهم بشري وخطأ تاريخي، ولذا لابد من تدمير الماضي ونبذه بصورة جذرية، فالوضعيون يرون أنه كان الأصح والأنسب في وقته أما هؤلاء فلا يرون ذلك، وقد غلب هذا على الماركسيين (٢).


(١) انظر: العلمانية من منظور مختلف، د. عزيز العظمة ص ٢٢١.
(٢) انظر مثلًا: نقد الفكر الديني، صادق العظم، وانظر: النص القرآني. . . .، طيب تزيني، وانظر: جمعًا منهم وطريقة تعاملهم مع الوحي ضمن دراسة تركي الربيعو، أزمة الخطاب التقدمي العربي في منعطف الألف الثالث -الخطاب الماركسي نموذجًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>