[تمثيل الكنيسة للموقف الديني في الصراع بين الدين والعلم وأثره]
إن جوهر المشكلة في الصراع بين الكنيسة والعلم هو أن الكنيسة قد مثّلت الدين في هذا الصراع، فكأنها قامت نيابة عن أديان العالم بمهمة تمثيل الدين وبئس الممثل، ولكنها خرجت من ذلك الصراع خاسرة ومكروهة، وقد وجدتها التيارات الكارهة للدين فرصة لا للاعتراف بعدم صلاحية الدين النصراني فقط ولا للبحث عن الدين الحق؛ بل صوّرت تلك الحالة النصرانية أنها حالة كل دين، وسعت إلى غرس ذلك البعد في أذهان الناس وقلوبهم، واجتهدت في نشره بين الجماهير، وتحويل بغض الكنيسة واحتقارها بسبب ما فعلته إلى بغض كل دين أيًا كان هذا الدين، دون تفريق بين دين الحق وأديان الباطل. وفي المسار نفسه نجح التيار المخالف في إبراز نفسه وكأنه الحامي للعلم والحقيقة، وأنه الحريص على تقدم البشرية، وأنه البديل الحقيقي عن الكنيسة وأهلها ومن ثمّ عن الدين وأهله.
وقد تَشكّل من هذا الخليط فيما بعد رؤية عامة تشربتها الأجيال الجديدة في أوروبا وأصبحت تعتقد بها، فتنظر إلى الدين كعائق أمام تقدم العلم وكنقيض له لا يمكنه التوافق مع المعارف العلمية، على أن الدين لا يملك قيمًا معرفية يمكن إثباتها، ومن لم يجرؤ على نبذ الدين مطلقًا فهو يرى على الأقل بإمكانية الانتفاع ببعض قيمه وأخلاقياته فقط.
لقد كان السبب الرئيسي في وجود مثل تلك الرؤية هو انحراف الكنيسة؛ فاستثمره المبغضون للدين أفضل استثمار، وتمكنوا من فرض ما يريدون من أمورٍ ما زال العالم يعاني منها إلى اليوم، وقد كان من بين أخطر ما حققه التيار المعارض للكنيسة هو إعلان العلمانية فلسفةً جديدة للحياة تكون بديلًا عن الرؤية الكنسية الموروثة، عمدتها الاكتفاء بالنظرة الدنيوية والعناية بموقعنا في الدنيا بعيدًا عن أي غطاء ديني، ومن أراد الدين فيكون اختيارًا فرديًا لا علاقة له بحياة المجتمع، وقد قامت العلمانية فيما بعد بطبع جميع مؤسسات المجتمع بصورتها ووفق رؤيتها، بما في ذلك أهم نشاطات المجتمع الحديث وهو العلم الناشئ مع جميع مؤسساته.
وهكذا تضافرت مواقف الطرفين في إفساد مسيرة العلم، فموقف الكنيسة السلبي من العلم قد نفّر العلماء منها، وموقف العلمانية المساند للعلم والرافض للدين قد جذب العلماء إلى العلمانية ليوجهوا بعد ذلك بحسب الرؤية العلمانية