[١ - تهيئة بيئة تسمح بتسرب الانحرافات وتغذي حركتها]
لقد صنع الاستعمار بيئة علمية هشة، تقبل -بسهولة- الانحراف بالعلم وتضعف في مجال التقدم به، لا يجد الاستعمار مبررًا أن يصنع لنا منظومة علمية تساعدنا في التقدم وتحصيل القوة، ومن الطبيعي أن لا يحرص على ذلك، ولكنه كان حريصًا على إيجاد منظومة علمية تُخرج له من الأفكار والأفراد ما يسمح باكتساح حضارته ومنتجاتها الفكرية والمادية لبلاد العالم الإِسلامي، فتبقى أمتنا على مستوى من الفكر في حدود ما يجعلها تقبل الاستيراد الفكري والتقليد والتبعية، ويكون هناك من الأفراد من يتحمل الدعوة لذلك، ولا شك أن المؤسسة العلمية هي أهم جهة مسئولة عن ذلك.
إن البيئة العلمية والفكرية التي وضعها الاستعمار لم تكن تخدم الأمة، فقد كانت ضدّ العلم النافع، ولكنها في المقابل كانت بيئة جاذبة للانحرافات وذات أجواء تسمح بحياتها ونموها واتساعها وتجذّرها داخل المجتمع، سكان هذه البيئة من أبناء المسلمين بينما كانت قبل الاستعمار من غير المسلمين كالأقليات الموجودة داخل المجتمع الإِسلامي، وأما غذاؤها فتحصل عليه من قبل المستعمر مباشرة عبر جهاز كبير من المبشرين والمستشرقين وخبراء السياسة وعلماء العلوم الاجتماعية فضلًا عن التركة الثقافية والأدبية والفنية الغربية التي تبحث عن مستقبلين لها.
أصبحت هذه البيئة قادرة على تفعيل كل انحراف وتوظيفه بما يؤثر في مسيرة الأمة، ومن الأمثلة لذلك في المجال العلمي ونظرياته: انشغال الفكر الإِسلامي وقت الاحتلال البريطاني بنظرية داروين، وقد رأينا في فقرة الصحافة كيف كانت تفاعلاتها الكبيرة عبر صحافة تلك المرحلة، ولاسيما تلك التي يدعمها الاستعمار، ويمكن العودة للموضوع لإدراك حجم تفاعلاتها ويضاف هنا مقولة للجندي في الموضوع:"واستغل النفوذ الاستعماري في مجال التبشير والتغريب "نظرية داروين" وعمل على توجيهها لتكون سلاحًا من أسلحة معارضة الفكر الإِسلامي"، ثم ذكر أن النظرية بعيدة عن هذه المسائل الدينية، "ولكن النفوذ الاستعماري وحركة التبشير ومن ورائها قوى التغريب استغلت هذه النظرية لإثارة جو من الشكوك والريب"(١)، ويقول أيضًا: "وقد أشارت بعض مصادر