للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

برع فيها الغرب لم يضع في مدارسه الاستعمارية إلا ما يُخرج لهم مجموعة من الموظفين. وقد ذكر أحد أقطاب الفكر القومي قريبًا من هذا، حيث أوضح أن الاستعمار لم يكن من أهدافه تعليم الشعوب المستعمرة، ولكنهم وجدوا أنفسهم في حاجة إلى استغلال البلاد وثروتها فشعروا بضرورة تعليم أولاد المستعمرات لإعدادهم للقيام بالأعمال اللازمة لهذا الغرض، ولم يجعلوه مثل التعليم الغربي؛ لأنّ في الغربي موضوعات عن حقوق الإنسان وحقوق الشعوب والثورات ضد الطغاة والمحتلين، فأزالوا كل ما من شأنه إيقاظ المُستعمَرين (١). وأبعدوا العلوم الإِسلامية من هذا التعليم، وهي التي تشكل هوية المسلم، كما منعوا منها حتى بعض المبادئ الإنسانية، وكان الكرامة والحرية والاستقلال خاصة فقط بالأوروبيين، ويعطون الناس فقط ما يحولهم لأيدي عاملة، وكما قيل: "عقل بريطاني ويد مصرية" أو "أيدي عاملة لا عقول مدبرة" (٢)، وفي بعض البلاد كانت سياسة التجهيل في مؤسسات التعلم الاستعمارية هي الأساس كما في الجزائر مثلًا، وإذا فكر الاستعمار بتوسيع دائرة التعليم اعترض المعمرون الفرنسيون في الجزائر بقولهم: "إذا كانت فرنسا عازمة على تكثيف وتوسيع انتشار تعليم الأهالي، فإلى أين سيؤول مستقبل ضيعاتنا؟ أين سنتجه للحصول على اليد العاملة الفلاحية؟ " (٣)، فيشترك الجميع من المستعمرين في تحديد هدفهم من التعليم، بحيث لا يتجاوز هذا التعليم تكوين جيل يناسب أعمالهم داخل بلادنا الإسلامية.

آثار السياسة التعليمية الاستعمارية:

سأقف مع آثار خطيرة تركها الاستعمار في بنية التعليم داخل العالم الإِسلامي أسهمت في الانحراف بالعلم، ونحن في أشد الحاجة كما تحررنا من الاستعمار السياسي أن نحرر العلم ذاته من المشكلات التي صنعها الاستعمار بداخله.


(١) انظر: أحاديث في التربية والاجتماع، ساطع الحصري ص ٨٦ - ٨٨.
(٢) انظر: المقولتين في موسوعة الجندي ٦/ ٣٢٥، وانظر: الشيخ الثعالبي ودوره في الإصلاح الديني، مسعودة الخضرة ص ٦٩.
(٣) انظر: الحركات الوطنية والاستعمار في المغرب العربي، د. أ. محمد مالكي ص ٣٤٨ - ٣٥٠، وقول المعمرين هامش (٦٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>