للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الوجه أمام المجتمع، لاسيّما أنها غير قادرة على إثبات بطلان النظرية بحجج علمية، وأما الحجج العقلية المعروضة والمتخيلة فكثيرة، وسنجد أنها لا تقوى على مواجهة العلمية أو إقناع الفلكيين.

وفي هذا الجوّ المشحون انطلق الفلكيون في التحقق من كلام أستاذهم والدفاع عن علمهم، وفي الوقت نفسه واصلت الكنيسة طغيانها العلمي ومراقبة ومتابعة هؤلاء وتحذيرهم، والمجتمع ينظر وبشاهد ويترقب، ومع ذلك فإن نظرية كوبرنيكوس فعلًا كانت تعاني من مصاعب ذكرها أغلب الدارسين لذلك الحدث، وأن تلك الثغرات كانت تسمح بانتقاص النظرية الكوبرنيكية ليس من رجال الكنيسة فقط، بل من بعض العلماء والمثقفين. ومن ذلك افتقارها إلى بعض الحسابات المهمة التي تقطع الشك، وأنها انتقلت من مركزية الأرض إلى مركزية الشمس، وعدم إيجاد شيء مقنع حول سرعة دوران الأرض دون أن نشعر به، إلى غير ذلك (١).

[٣ - براهي والبحث عن الأدلة]

يظهر أن اقتناع الفلكيين الجدد بنظرية كوبرنيكوس قد دفعهم إلى مواصلة البحث عن الأدلة وعن الأجوبة لكل التساؤلات، ومن أولئك الفلكي المشهور تيشو براهي: (١٥٤٦ - ١٦٠١ م) حيث نذر حياته لرصد الكواكب وذلك تحت رعاية ملك الدانمارك، ثم تحت رعاية الإمبراطور "رودلف الثاني": فقام من خلال أجهزته بفهرسة للأجرام السماوية، وذلك عبر معاينته لمواضع الكواكب سنين طويلة، ومادة هذا الفهرس مناسبة بعد ذلك لمن أراد دراسة الفلك أو التحقق من النظريات أو وضع تصور جديد، وكان من أهم آثارهِ كشفه لمذنبات أبعد من القمر وكان أثرها كبيرًا في القضاء على نظرية أرسطو القائلة بان التغير والفساد خاص بالمنطقة التي تحت القمر لا ما فوقه، وكما يقول "راسل": "وهذا مثل كل شيء قاله أرسطو في الموضوعات العلمية، ثبت أنه عائق دون التقدم" (٢). وكان لبراهي


(١) انظر: العلم في التاريخ، برنال ٢/ ٦٢، وتاريخ الفلسفة الغربية (الحديثة) الكتاب الثالث، راسل ص ٥٩ - ٦٠، موجز تاريخ الفلسفة لجماعة من السوفيات ص ١٤٣.
(٢) تاريخ الفلسفة الغربية (الحديثة) الكتاب الثالث، راسل ص ٦٣، وانظر: العلم في التاريخ ٢/ ٦٢ - ٦٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>