التفسير والحديث وعلم الكلام والفقه وغيرها من علوم الملة؛ بدأت تظهر مواد أخرى كالفلك والكيمياء والحساب والهندسة والفيزياء والأحياء والطب والصيدلة وغيرها وتنافس العلوم الشرعية، ولكن سلك كل قسم منهما طريقه بعيدًا عن الآخر، فقد اصطُنعت بعض العداوات بينهما، بعضها نشأ بسبب الجهل، وبعضها نشأ بسبب مقاصد خطيرة أدخلها الأعداء، وهذه العلاقة وآثارها نتركها للفصل القادم.
استمرت هذه المنافذ والأدوات في طلب العلوم العصرية في عهد أبناء محمَّد علي، وربما هيأ الاستقرار لهذه الأسرة مواصلة طريق والدهم من إبراهيم الذي تولى الأمر بعد مرض أبيه، ثم عباس الأول، ثم سعيد، ثم إسماعيل إبراهيم، ثم محمَّد بن إسماعيل (١). وفي عهده وقعت الثورة العرابية وما صاحب ذلك من احتلال الإِنجليز لمصر سنة (١٨٨٢ م)، وبهذا الاحتلال الخطير يدخل العالم مرحلة جديدة هي بداية الاستعمار الأوروبي للعالم الإِسلامي وإسقاط الخلافة. ولا يختلف أحد في خطورة التجربة وضخامتها ولكنها كانت تجربة بعيدة عن ضمير الأمة؛ فسمحت منافذه لطلب العلوم العصرية بتغلغل الأعداء في مراكز العلم والثقافة ووسائلها الحديثة، وزاد الأمر سوءًا إبعاد الأزهر وغيره من مؤسسات الأمة عن المشاركة الفعلية في هذه التجربة، فكانت رغم ضخامتها محمّلة بأخطاء صاحبها.
[٣ - السلاطين الشباب في الدولة العثمانية ومغامرات الإصلاح]
كانت الدولة العثمانية تمر بمنعطف حاسم في القرن الثالث عشر/ التاسع عشر، وقد عرفت الدولة ما بين "سليم الثالث" و"عبد الحميد" مجموعة من السلاطين الشباب الذين خاضوا معركة عسيرة ما بين التحديث والتغريب، وسبّب اختلاط الأمر بينهما مشاكل كثيرة، وربما كان لصغر سنهم أثر في تحكم بعض الوزراء في توجيه دفة المجتمع نحو التغريب بدل الإصلاح والتحديث والتجديد.