للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في ظل تلك الدول. وفي البلاد التي يمثل فيها المتدينون نسبة كبيرة فأقصى ما يستطيعون فعله هو إجبار المؤسسة التعليمية على قبول أصلهم الديني في المسألة مقترنًا بالنظرية العلمية، مثل ما نجده في بعض الولايات الأمريكية من تدريس نظرية "داروين" وغيره، وتقرنه بما ورد في الإنجيل من قصة خلق الرب سبحانه لآدم وزوجه - عليه السلام - (١)، وهذا أقصى ما يستطيعه هؤلاء.

يظهر لنا في النهاية بأن العلمانية كانت رؤية وإطارًا أسهم في انحراف العلم بما تقترحه من توجيهات بصورة خفية إلى العلماء والحركة العلمية، وإن لم تنفع تلك التوجيهات الخفية فتمارس بصورة علنية وقاسية، والتقدم العلمي لا علاقة له بالعلمانية، فالعلم أصبح يحرك ذاته بآلياته الخاصة ولكن العلمانية لها علاقة بانحراف العلم، ونحن نشاهد في بلدان علمانية يعاني فيها العلماء من طغيان تلك البلاد العلمانية عليهم، مثل موقف دولة "هتلر" من العلماء الألمان، أو ما فعلته الدولة السوفيتية والدول الشيوعية عمومًا مع علمائهم مع أنها بلاد علمانية (٢). وهاهم علماء معاصرون في الغرب وإن اعترفوا بأن الفصل بين الكنيسة والعلم قد سمح بتطور العلم؛ إلا أنهم يفرقون بين الفصل من جهة وبين العلمانية من جهة أخرى، فينسبون للعلمانية من الصفات ما ينسبونه لموقف الكنيسة عندما كانت تمارس طغيانها، وهذا يعني بأن العلمانية إنما أثرها تمثل في إفساد مسيرة العلم، لاسيّما في علاقته بما فوق الطبيعة وبعالم الغيب والدين.

[د - التيار العلمي في ظل السيطرة العلمانية]

كان التيار العلمي يتحرك في ظل المؤسسة الدينية الكنسية، العلماء الكبار هم من أتباع الكنيسة ومن طلابها رغم ما ظهر منهم من اعتراضات على كنيستهم، وقد توسع الخلاف بين الكنيسة وبين طلابها إلى درجة الصراع وانفصال الطلاب عن الكنيسة وهروبهم من إطارها والبحث عن مكان آخر يتحركون فيه بحرية. وقد وفرت العلمانية عبر مؤسستها الجديدة الدولة القومية


(١) انظر مثلًا: الأسس الميتافيزيقية للعلم، د. حسين علي ص ٢٨.
(٢) انظر حول ألمانيا مثلًا: فلسفة العلم، د. قنصوه ص ٢٣٨، وحول السوفييت: فلسفة العلوم، د. بدوي عبد الفتاح ص ٢٦٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>