عالم كبير مدهش يصعب تصوره فضلًا عن الإحاطة به. لقد كانت هذه الاكتشافات جزءًا مما أصاب الفكر المعاصر بالصدمة وفتح باب الأسئلة من جديد، وتحولت أشهر التيارات إلى العناية بالإنسان أو البحث في حقيقة الوجود، والقوم يسيرون دون هداية من الله، فمثلهم كمثل من صور الله لنا حاله في سورة البقرة قال -تعالى-: {مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ (١٧) صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ (١٨) أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ (١٩) يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٢٠)} [البقرة: ١٧ - ٢٠].
من المدهش ما نجده من بعض الأقلام العربية حول هذا الموضوع إذ يقول بعضهم: إن الغرب قد شبع من العلوم الدنيوية، وشبع من العقلانية، وشبع من التقدم والتطور، وجاءت لحظات التوقف مع اللاعقل، مع الوجود والحرية والفن والمثاليات والتدين والتصوف. أما نحن فنحن غارقون في الخرافة والأساطير والتخلف فعلينا أولًا بأخذ ما يرفضونه الآن، أن نأخذ بالعقلانية والتقدم دون أن نأخذ ميولهم الجديدة.
والحقيقة أننا لا نريد تلك ولا هذه، فلا نريد عقلانية تختم بالإلحاد أو علموية تنابذ الدين، ولا نريد في الوقت نفسه مثاليات ومذاهب اللاعقل، إنما نريد من عندهم ما ينفعنا وما حثنا ديننا على أخذه، فالحكمة ضالة المؤمن أينما وجدها فهو أحق بها، وما ينفع الناس في دنياههم أو أبدانهم أو قوتهم من العلوم النافعة هي مما ينبغي الحرص عليه، أما ما بني عليها من تأويلات أو انحرافات، فيكفينا أن نتعظ بما أوصلت أهلها إليه، والسعيد من وعظ بغيره، وفي الوقت نفسه عندنا وبين أيدينا ما يغنينا عنها.
[ج - عصر جديد لعلاقة العلم بالايمان في الفكر الغربي]
لقد كانت العلاقة بين العلم والدين عسيرة منذ ولادة الثورة العلمية، كان الدين -ممَثلًا في الكنيسة النصرانية على وجه الخصوص- أكبر من عانى من صراعه مع الحركة العلمية؛ ومن بين أهم الأسباب لتلك المعاناة: الانحرافات الكبيرة التي وقعت فيها الكنيسة سواء بالتحريف في الدين أو بظلم الناس، وكانت المادة المحرفة أرضًا خصبة لضربات المعترضين المتتالية، ولكن الكنيسة