للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كانت القوية في البداية، ففرضت رأيها، وأجبرت العلماء على التراجع، بينما قام العلماء بمحاولات شاقة لتأويل نصوصهم الدينية أو عقائدهم الرسمية لكي تتوافق مع نظرياتهم العلمية، وقد استمر هذا الوضع إلى عصر نيوتن.

وبعد الثورة الفرنسية الداعية إلى العلمانية ضُربت قوّة الكنيسة ضربة قاسية، فقد أُزيلت الأنظمة السياسية الداعمة لها، ثم أُقصيت الكنيسة من مجال حياة الناس التعليمية والاجتماعية والسياسية وغيرها، وأبقيت كنشاط ديني لمن أراده. صاحب ذلك زوال عقدة الخوف عند العلماء من الكنيسة والمجتمع في نقدهم للدين فانطلقوا دون احترام للعقائد الدينية يدعمهم في ذلك تيارات فكرية ذات نزعة مغالية في اللادينية.

ووصل العداء والقطيعة بينهما ذروته في القرن الثالث عشر الهجري/ التاسع عشر الميلادي في صورة الوضعية العلموية الداعية إلى وضع الدين في متحف للآثار والاكتفاء بالعلم، ولم تعد المسألة مسألة تعارض بين الدين والعلم كما في السابق، ومن ثمّ معالجة ذلك التعارض، وإنما المسألة أصبحت مع الوضعيين بأن الدين وهم وخرافة اخترعته البشرية في يوم من الأيام كما اخترع قوم عبادة أوثان أو عبادة حيوانات، فكذلك الأديان الكتابية هي مثلها، ويزعمون بأن العلوم الطبيعية -ماركس مثلًا- تؤكد خطأ كثير من العقائد الموروثة، وهو دليل على أن الناس اخترعوها.

ورغم أن العلماء أنفسهم لم تكن تعنيهم هذه الأمور، فهي مناقشات تدار في أرض الفكر والفلسفة، إلا أن قادة الفكر قد سحبوا العلماء إلى ميدان المناقشات، وذلك عندما قام مجموعة من المفكرين والفلاسفة باستثمار النظريات العلمية في حججهم ضد الدين، عندها دخل هؤلاء العلماء حلبة المناقشة -على أن منهم من كان مهتمًا بالفكر والفلسفة- وتورطوا في الميل لجانب الدعاوى اللادينية ودعمها بما بين أيديهم من علوم، ثم اتسع الأمر عندما ترك كثيرٌ منهم الدين وتحول بعضهم إلى الإلحاد أو إلى مواقف لا أدرية؛ لأنهم يرون بأن أهل الدين لم يثبتوا صحة ما بين أيديهم ولا تنطبق عليه مناهجهم العلمية، ويرون حججًا فكرية وفلسفية تتابع دون أن تجد الرد المناسب، ويرون أن ما بين أيديهم من علوم لا تدل على كثير من القضايا الدينية المعروفة زمنهم. فانصرف هؤلاء العلماء إلى موقف لا أدري يقوم على الحيرة والشك، وآخرون سلكوا طريق

<<  <  ج: ص:  >  >>