الإلحاد، وقد كانوا كثرة، ومجموعة بقيت على الدين على أن يُحصر في الجانب القيمي والأخلاقي فقط.
وقد كان أخطر ما في الأمر هو دخول الإلحاد إلى طائفة العلماء؛ لأنهم سيدعمون الإلحاد من خلال تخصصاتهم العلمية، فإن ميدانهم العلمي يقوم بالدرجة الأولى على الحسّ والتجريب، وهو ميدان يختلف عن باب العقائد إذ هي قضايا غيبية لا يدخلها الحسّ والتجريب لاسيّما قضايا الغيب المحض. فهؤلاء العلماء عندما يرون أن مناهجهم لا تحقق هذه القضايا الغيبية فيسلمون عندها بادعاءات الملحدين، وكأن الطريق الوحيد للحقيقة والمعرفة هو طريقة الحسّ والتجريب.
لقد أوجد هذا الموقف من قبل العلماء مشكلة كبيرة نحو الدين، ذلك أنهم أصبحوا في مكانة عالية بعد انتصارات العلم وتقدمه، وصاروا قدوة لغيرهم، وعلومهم هي مطمع أغلب الدارسين في بلادهم، بل هي العلوم الوحيدة التي تستحق في نظرهم التعب والتحصيل. وعندما يأتي الطلاب والمعجبون بتلك العلوم لدراستها ثم يرون بأن البارزين فيها يميلون إلى الإلحاد أو المواقف المتشككة اللاأدرية، بل منهم من يربط العلم بالإلحاد وانكار كل ما عرف من الدين؛ فإن النتيجة المتوقعة هي وقوع مجموعة من المتعلمين في شراك الإلحاد اقتداء بالعلماء والبارزين. وهذا يوضح أحد أهم عوامل انتشار ظاهرة الإلحاد في إطار الحركة العلمية، فإذا أضفنا إليه بأن المذاهب المشهورة في النصف الثاني من القرن التاسع عشر -كالماركسية والوضعية والدارونية الاجتماعية- قامت على موقف عقائدي واضح وهو الإلحاد، ومن بين حججهم المزعومة بأن العلوم الطبيعية تدعم موقفهم، علمنا عندها كيف تضافرت عوامل كثيرة في توسيع دائرة الإلحاد.
وهكذا افتتح القرن الرابع عشر/ العشرين على وهمٍ كبير حاصله أن العلم رديف الإلحاد، وأصبح من السائد في الثقافة الغربية المعاصرة آنذاك بأن من شروط دخول العلم أن تكون ملحدًا، وأنه لا يتصور وجود عالم غير ملحد.
وهو يكشف بأن الدعوة للمذهب الربوبي في القرن الثاني عشر/ الثامن عشر أو للإلحاد في القرن الثالث عشر/ التاسع عشر كانت قوية ومستمرة، وأنها اخترقت ميدان العلم الجديد، ونجحت في استقطاب مجموعة من البارزين في